للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣. صحة المقابلات ((١) " فقد جاء الليل والنهار في صدر الكلام وهما ضدان، وجاء السكون والحركة في عجزه وهما ضدان، ومقابلة كل طرف منه بالطرف الآخر على الترتيب، وعبر سبحانه عن الحركة بلفظ الإرداف، فاستلزم الكلام ضرباً من المحاسن زائداً على المقابلة، والذي أوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل كون الحركة تكون لمصلحة ولمفسدة، وابتغاء الفضل حركة للمصلحة دون المفسدة، وهي اشتراك الإعانة بالقوة وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل، وسلامة الحس، ويستلزم إضاءة الطرف الذي تلك الحركة المخصوصة واقفة فيه ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المآرب ويتقي أسباب المعاطب. والآية سيقت للاعتداد بالنعم، فوجب العدول عن لفظ الحركة إلى لفظ هو ردفه وتابعه ليتم حسن البيان، فتضمنت هذه الكلمات التي هي بعض آية عدة من المنافع والمصالح التي لو عدد بألفاظها الموضوعة لها لاحتاجت في العبارة عنها إلى ألفاظ كثيرة، فحصل بهذا الكلام بهذا السبب عدة ضروب من المحاسن، ألا تراه سبحانه جعل العلة في وجود الليل والنهار حصول منافع الإنسان حيث قال: (لتسكنوا)

و (لتبتغوا) بلام التعليل، فجمعت هذه الكلمات المقابلة والتعليل الإشارة والإرداف والائتلاف وحسن النسق وحسن البيان لمجيء الكلام فيها متلاحماً آخذة أعناق بعضه ببعض ثم اخبر بالخبر الصادق أن جميع ما عدد من النعم التي هي من لفظي الإشارة والإرداف بعض رحمته حيث قال بحرف التبعيض (ومن رحمته) وكل هذا في بعض آية


(١) صحة المقابلات: هو عبارة عن توخي المتكلم ترتيب الكلام على ما ينبغي، فإذا أتى في صدره بأشياء قابلها في عجزه بأضدادها أو بأغيارها من المخالف أو المواقف على الترتيب بحيث يقابل الأول بالأول والثاني بالثاني ولا يحرم من ذلك شيئاً في المخالف والمواقف ومتى أخل بالترتيب كان الكلام فاسد المقابلة، ينظر نقد الشعر: ص ١٥٤. إعراب القرآن وبيانه وصرفه: ٥/ ٣٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>