للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَغْتَرُّ النَّاسُ بِسَعَتِهَا وَطُولِهَا، وَلَا يَعْلَمُونَ الْمِقْدَارَ الْمَحْفُورَ مِنْهَا؛ وَهَذَا تَدْلِيسٌ لَا يَخْفَى. وَمِثْلُ بَاعَةِ الْخَزَفِ وَالْكِيزَانِ وَالْأَوَانِي، فَإِنَّهُمْ يَطْلُونَ مَا كَانَ مَثْقُوبًا مِنْهَا أَوْ مَشْقُوقًا بِالْكِلْسِ (١) الْمَعْجُونِ بِالشَّحْمِ وَبَيَاضِ الْبَيْضِ وَالْخَزَفِ الْأَحْمَرِ الْمَسْحُوقِ.

وَمِثْلُ الْغَسَّالِينَ، يَنْهَاهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] عَنْ غَسْلِ ثِيَابِ النَّاسِ بِالْمَاءِ الْمَطْبُوخِ فِيهِ الْقَلْيُ (٢) وَالنَّوْرَةُ (٣) وَالنَّطْرُونُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمَلَابِسِ وَيُبْلِيهَا سَرِيعًا، وَيُوَلِّدُ فِيهَا الْقُمَّلَ وَالصِّئْبَانَ. وَمِثْلُ السَّقَّائِينَ وَأَصْحَابِ الرَّوَايَا وَالْقِرَبِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُهُمْ بِالدُّخُولِ [فِي النَّهْرِ] (٤)، حَتَّى يَبْعُدُوا عَنْ الشَّطِّ وَمَوَاضِعِ الْأَوْسَاخِ؛ وَلَا يَسْتَقُونَ مِنْ مَوْضِعٍ فِي النَّهْرِ بِقُرْبٍ مِنْ سِقَايَةٍ [لِلدَّوَابِّ] أَوْ مُسْتَخْدَمٍ (٥) أَوْ مَجْرَى حَمَّامٍ؛ بَلْ يَصْعَدُونَ عَنْهُ أَوْ يَبْعُدُونَ مِنْ تَحْتِهِ؛ وَمَنْ اتَّخَذَ مِنْهُمْ رَاوِيَةً جَدِيدَةً أَمَرَهُ [الْمُحْتَسِبُ] بِنَقْلِ (٦) الْمَاءِ إلَى مَعَاجِنِ الطِّينِ (٧) أَيَّامًا، وَلَا يَبِيعُهُ لِلشُّرْبِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَغَيِّرَ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ مِنْ أَثَرِ الدِّبَاغَةِ وَالزِّفْتِ، فَإِنْ زَالَ التَّغَيُّرُ أَذِنَ لَهُ الْمُحْتَسِبُ بِبَيْعِهِ لِلنَّاسِ لِلشُّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ. وَيَأْمُرُهُمْ [الْمُحْتَسِبُ] أَنْ يَشُدُّوا فِي أَعْنَاقِ دَوَابِّهِمْ الْأَجْرَاسَ وَصَفَاقَاتِ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ، لِتَعْلُوَ جَلَبَةُ الدَّابَّةِ إذَا عَبَرَتْ فِي سُوقٍ أَوْ مَحَلَّةٍ، فَيَحْتَرِسُ (٨) مِنْهَا الضَّرِيرُ وَالصِّبْيَانُ وَالْإِنْسَانُ الْغَافِلُ؛ وَكَذَلِكَ (٩) يَفْعَلُ الْمُكَارِيَةُ وَحَمَّالُو (١٠) الْحَطَبِ بِدَوَابِّهِمْ. وَيُجْبِرُهُمْ الْمُحْتَسِبُ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يُحَمِّلُونَ الدَّوَابَّ أَكْثَرَ مِنْ طَاقَتِهَا، وَلَا يَسُوقُونَهَا سَوْقًا شَدِيدًا تَحْتَ الْأَحْمَالِ، وَلَا يَضْرِبُونَهَا ضَرْبًا قَوِيًّا، وَلَا يُوقِفُونَهَا فِي الْعِرَاصِ (١١) وَعَلَى ظُهُورِهَا [أَحْمَالُهَا] (١٢)، فَإِنَّ هَذَا


(١) انظر ما سبق ص ١٠٢، حاشية ٨.
(٢) انظر ما سبق ص ٧٨، حاشية ٧.
(٣) النَّوْرَة الجير الذي لم يصبه ماء. (ابن البيطار: المفردات، ج ص ٧٦ - ٧٧).
(٤) الإضافة من ل، هـ.
(٥) كذا في س، وفي هـ "خرارة"، والمعنى واضح.
(٦) في س "فينقل"، وما هنا من ع.
(٧) في س، ع، هـ "جبل الطين"، وما هنا من ابن الأخوة (معالم القربة، ص ٢٤٠)، وهو الأقرب للصواب، والمعنى أن يشتغل السقاء عدة أيام بنقل الماء براويته الجديدة إلى المعاجن التي يجهز بها الطين لأعمال البناء، ليزول عن الراوية ما بها من أثر الدباغة والزفت، كما بالمتن، فتصبح بعد ذلك صالحة لحمل الماء الطاهر الصالح للشرب وغيره من الأغراض.
(٨) في س "فيتحذر"، وما هنا من ل.
(٩) في س "ولذلك"، وما هنا من ل، هـ.
(١٠) في س "حمالون".
(١١) انظر ما سبق ص ١٣، حاشية ٦.
(١٢) الإضافة من ل.

<<  <  ج: ص:  >  >>