للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلْطَانَ دِمَشْقَ، طَلَبَ لَهُ مُحْتَسِبًا، فَذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَأَمَرَ بِإِحْضَارِهِ، فَلَمَّا بَصَرَ بِهِ قَالَ: " إنِّي وَلَّيْتُك أَمْرَ الْحِسْبَةِ عَلَى النَّاسِ، بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ". قَالَ: " إنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَقُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّرَّاحَةِ (١)، وَارْفَعْ هَذَا الْمَسْنَدَ، فَإِنَّهُمَا حَرِيرٌ وَاخْلَعْ هَذَا الْخَاتَمَ، فَإِنَّهُ ذَهَبٌ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الذَّهَبِ، وَالْحَرِيرِ: " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهَا ". قَالَ فَنَهَضَ السُّلْطَانُ عَنْ طَرَّاحَتِهِ، وَأَمَرَ بِرَفْعِ مَسْنَدِهِ، وَخَلَعَ الْخَاتَمَ مِنْ أُصْبُعِهِ، وَقَالَ: " قَدْ ضَمَمْت إلَيْك النَّظَرَ فِي أُمُورِ الشُّرْطَةِ "، فَمَا رَأَى النَّاسُ مُحْتَسِبًا أَهْيَبَ مِنْهُ.

فَصْلٌ

وَيَنْبَغِي لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكُونَ مُوَاظِبًا عَلَى سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، مِنْ قَصِّ الشَّارِبِ، وَنَتْفِ الْإِبْطِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَنَظَافَةِ (٢) الثِّيَابِ وَتَقْصِيرِهَا، وَالتَّعَطُّرِ بِالْمِسْكِ وَنَحْوِهِ، وَجَمِيعِ سُنَنِ الشَّرْعِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ. هَذَا مَعَ الْقِيَامِ عَلَى الْفَرَائِضِ، وَالْوَاجِبَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَزْيَدُ فِي تَوْقِيرِهِ، وَأَنْفَى لِلطَّعْنِ فِي دِينِهِ.

وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ مَحْمُودٍ (٣) يَطْلُبُ الْحِسْبَةَ بِمَدِينَةِ غَزْنَةَ (٤)، فَنَظَرَ السُّلْطَانُ فَرَأَى شَارِبَهُ قَدْ غَطَّى فَاهُ


= وما زالت سلطنة دمشق بيد سلالة طغتكين حتَّى استولى عليها نور الدين محمود بن زنكى سنة ١١٥٣ م، ثم أصبحت من ممتلكات صلاح الدين مؤسس الدولة الأيوبية في مصر والشام. انظر. Ency، Isl. Arts) (Tughtakin، Damascus
(١) الطرَّاحة - وجمعها طراريح - مرتبة يفترشها السلطان إذا جلس. (المقريزى: السلوك في معرفة دول الملوك، جـ ١، ص ٤٤٩، حاشية ٣).
(٢) في س "نضافة"، والتصويب من النسخ الأخرى. ويلاحظ أن النسخ كلها تحتوي على أخطاء نحوية وإملائية، وبعض الألفاظ وارد بصيغة عامية، وسيعني الناشر بتصحيح ذلك من غير تعليق، إلا إذا كان للتعليق أهمية خاصة.
(٣) المقصود هنا محمود بن سبکتكين الذي أسس الدولة الغزنويه بأفغانستان سنة ٣٨٩ هـ (٩٩٩ م)، وكان قد حصل من الخليفة العباسي القادر بالله على تقليد بالسلطنة، واستولى على الجزء الأكبر من أملاك السامانيين، واتخذ غزنة عاصمة له. ثم انتصر سبكتكين على السلاجقة والبويهين، وضم إليه العراق العجمي، وجعل ابنه مسعودا حاكما على أصفهان والري؛ ومات بغزنة سنة ٤٢١ هـ (١٠٣٠ م). انظر: (Ency. Isi. Art. Mahmud) .
(٤) غزنة مدينة بأفغانستان، تقع فوق هضبة تشرف على سهول الهند، وتتصل بها عن طريق عدة وديان؛ وقد اتخذها سبکتکين قاعدة لملكه، وتعاقب على حكمها السلاجقة وخوارزمشاه، ثم هدمها المغول سنة ٦١٨ هـ (١٢٢١ م)، فلم تقم لها قائمة من بعد ذلك. انظر: Ency، Isl. Arts Mahmud) (Ghazna.

<<  <  ج: ص:  >  >>