للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَطَّارِينَ وَالْبَزَّازِينَ، لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ بَيْنَهُمْ، وَحُصُولِ الْأَضْرَارِ.

فَصْلٌ

وَلَمَّا لَمْ تَدْخُلْ الْإِحَاطَةُ بِأَفْعَالِ السُّوقَةِ تَحْتَ وُسْعِ الْمُحْتَسِبِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَهْلِ كُلِّ صَنْعَةٍ عَرِيفًا مِنْ صَالِحِ أَهْلِهَا، خَبِيرًا بِصِنَاعَتِهِمْ، بَصِيرًا بِغُشُوشِهِمْ وَتَدْلِيسَاتِهِمْ، مَشْهُورًا بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ، يَكُونُ مُشْرِفًا عَلَى أَحْوَالِهِمْ، وَيُطَالِعُهُ بِأَخْبَارِهِمْ، وَمَا يُجْلَبُ إلَى سُوقِهِمْ مِنْ السِّلَعِ وَالْبَضَائِعِ، وَمَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ مِنْ الْأَسْعَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَلْزَمُ الْمُحْتَسِبُ مَعْرِفَتَهَا. فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ. «اسْتَعِينُوا عَلَى كُلِّ صَنْعَةٍ بِصَالِحِ أَهْلِهَا».

فَصْلٌ

وَلَا يَجُوزُ لِلْمُحْتَسِبِ تَسْعِيرُ الْبَضَائِعِ عَلَى أَرْبَابِهَا، وَلَا أَنْ يُلْزِمَهُمْ بَيْعَهَا بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّ السِّعْرَ غَلَا (١) عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: «سَعِّرْ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ (٢)، وَإِنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُطَالِبُنِي بِمَظْلِمَةٍ فِي نَفْسٍ، وَلَا مَالٍ» (٣).

وَإِذَا رَأَى الْمُحْتَسِبُ أَحَدًا قَدْ احْتَكَرَ الطَّعَامَ مِنْ سَائِرِ الْأَقْوَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَرِيَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ (٤)، وَيَتَرَبَّصُ بِهِ [الْغَلَاءَ] (٥)، فَيَزْدَادُ ثَمَنُهُ، أَلْزَمهُ بَيْعَهُ إجْبَارًا؛ لِأَنَّ الِاحْتِكَارَ حَرَامٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ فِعْلِ الْحَرَامِ، وَاجِبٌ.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» (٦)


(١) في س "غلاء غلا"، وما هنا من هـ.
(٢)، (٣) في س "أن الله هو القابض الباسط"، وما هنا من ص، م، ع، هـ. وفي رواية أخرى - عن أبي هريرة - جاء رجل إلى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له يا رسول الله سعر لنا، فقال بل ادعوا الله، ثم جاء رجل فقال يا رسول الله سعر لنا، فقال بل الله يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقي الله وليست لأحد عندي مظلمة. انظر (ابن تيمية: الحسبة في الإسلام، ص ٢٨).
(٤) في س، "الغلا"، وما هنا من ص.
(٥) الإضافة من ص، م.
(٦) أضافت النسخة "ل" ما يأتي، زيادة عن جميع النسخ الأخرى، وقد وردت هذه الزيادة أيضًا في ابن الأخوة (كتاب معالم القرية، ص ٦٥ - ٦٦)، وفي الغزالى (كتاب إحياء علوم الدين، جـ ٢، س ٦٦ - ٦٧)، ونصها: فالاحتكار هو الطعام الذي يدخر، ينتظر به غلاء الأسعار، وهو =

<<  <  ج: ص:  >  >>