للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تقدم فتى مولانا السيّد الأجلّ باستخدامك على الحسبة بمدينة كذا. فباشر أَمْرها مباشرةَ من يبْذُل في التقوى جهدًا، فلا يرى غيرها على ظمإٍ وِرْدًا، ولا يراه الله حيث نهاه، ولا يأمره أبدًا ويَنهاه إلا نُهاه، ولا يرى ما كشَفَته إلا وهو عالمٌ أن الله يراه. وانتَهِ فيها إلى ما يَنتهى إليه مَنْ بذَلَ غايةَ وسعه، ومن لا يرتدُّ عن جرّ ركبه (١) من عموم نَفْعه، ومن يدُلُّ بتهذيب طباع الناس على طهارة طبعه، ومن يَسْتَجْزِل حسْنَ صنيع الله لديه بحُسْن صُنْعِه، ومن يستَدْعى منه بَذْلَ فضلِه بحَظْر ما أُمِرَ بِحَظْره ومَنْعه. واسلُكْ فيما تستعمله من أمرها المذهب القَصْدَ والمنهج الأقْوَم، واجتهدَ فيها اجتهاد معتصِمٍ بحبل التقوى المتين وسببها المبْرَم. وامنعْ أن يخلو رجل بامرأة ليست بذات مَحْرَم، واستوضحْ أحوالَ المطاعم والمشارب، وقوِّمْ كلَّ من يخرُج في شيءٍ منها عن السَّنَنِ الواجب. وعَيِّرْ المكاييلَ والموازين، فهي آلاتُ معاملات الناس، واجتهدْ في سلامتك من الآثام بسلَامتها من الإلباس والأدناس. وحذِّرْ أن تُحَمَّل دابَّةٌ ما لا تُطِيق حَمْله، وأدِّبْ من يجرى إلى ذلك يتوخَّى (٢) فِعْلَهُ. وأوعِزْ بتنظيف الجوامع والمساجد لتنير بالنظافة مسالكَها، كما تُنِير بالإضاءة حوالكَها، ففي ذلك إظهارٌ لبهجتها وجَمَالها، وإيثارٌ لصيانتها عن إخلاق نَضْرتها وابتذالِها. ولا تمكِّنْ أحدًا أن يحضُرَها إلا أصلاة أو ذِكْر، قاطعًا السان الخِصَام وموقِظًا لعين الفِكْر؛ فأما من يجعلها سُوقًا للتِّجارة، فقد حَصَل بهذه الجَسَارة على الخَسَارة، فهي ميادينُ الضُّمر، وموازين الرُّجْح في الظاهر من أعمالهم والمُضْمَر، وما أحقَّ لياليها أن تقوم بها الهُجَّد لا السُّمَّر، وهل أذَن الله أن ترفَعَ لغير اسمه أو تُعَمَّر. واحظُر أن يحضر الطرقات ما يمنع السلوك أو يُوعره، وافعلْ في هذا الأمر ما يَرْدَع العابثَ ويزجرُه. وخُذِ النصارى واليهودَ والمخالفين بلُبْس الغِيار وشَدِّ الزنَّار، ففي ذلك إظهار لما في الإسلام من العِزَّة وفي المخالفة من الصَّغَار، وإبَانةٌ بالشدّ للتأهُّب للمسير إلى النار، وتفريق بين المؤمنين والكُفَّار. وأدِّبْ مَنْ يکيل مطفِّفًا، أو يَزِنَ متحيِّفًا، أدبًا يكون لمعامَلَتِه مزَيِّفًا، وله من معاودة على فعله زاجرًا ومخوِّفًا. فاعلم هذا واعمل به، إن شاء الله تعالى".


(١) في الأصل "ركبه" وربما كان المثبت بالمتن هنا هو المقصود.
(٢) كذا في الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>