وَالْأَوَانِي. وَقَدْ اسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ حُكْمُ الْأَوَّلِ مُسْتَمِرًّا كَمَا إذَا خَالَعَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا الرَّابِعَةَ بِلَا مُحَلِّلٍ لِاعْتِقَادِهِ أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ بَاقٍ مَعَهَا بِذَلِكَ النِّكَاحِ قَالَ إنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ هَذَا النِّكَاحِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهَا وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لِمَا يَلْزَمُ فِي فِرَاقِهَا مِنْ تَغَيُّرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ قَبْلَ تَغَيُّرِ اجْتِهَادِهِ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ مُفَارَقَتُهَا لِمَا يَلْزَمُ فِي إمْسَاكِهَا مِنْ الْوَطْءِ الْحَرَامِ فِي مُعْتَقَدِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْحَاكِمِ لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ فِرَاقِهِ إيَّاهَا نَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَخْذِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَامْتِنَاعِ نَقْضِ الْحُكْمِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ لِيَظْهَرَ أَثَرُهُ فِي الْمُتَنَازِعَيْنِ وَعَلَى ذَلِكَ يَنْبَنِي أَيْضًا مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا خَلَّلَ خَمْرًا فَأَتْلَفَهَا عَلَيْهِ شَافِعِيٌّ لَا يَعْتَقِدُ طَهَارَتَهَا بِالتَّخْلِيلِ فَتَرَافَعَا إلَى حَنَفِيٍّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِطَرِيقَةٍ فَقَضَى عَلَى الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَالَبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِقَادِ الْقَاضِي دُونَ اعْتِقَادِهِ وَكَأَنَّ هَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى نُفُوذِ حُكْمِهِ بَاطِنًا وَإِلَّا فَيُسَوَّغُ لَهُ الْحَلِفُ وَيُؤَيِّدُهُ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا حَكَمَ الْحَنَفِيُّ لِلشَّافِعِيِّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ هَلْ تَحِلُّ لَهُ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute