وَلَوْ اسْتَنْجَى بِمُحَرَّمٍ أَوْ بِمَطْعُومٍ، فَالْأَصَحُّ لَا يَجْزِيهِ، لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْأَحْجَارِ رُخْصَةٌ، وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي.
وَلَوْ عَدِمَ الْمَاءَ " لَمْ " يَتَيَمَّمْ عَلَى وَجْهٍ وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ، لَكِنْ إذَا صَلَّى بِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الرُّخَصِ أَنَّ الرُّخَصَ " يَتَخَيَّرُ " بَيْنَ فِعْلِهَا وَتَرْكِهَا، وَالتَّيَمُّمُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ. وَلَوْ تَرَكَهُ عَصَى. وَتَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ رُخْصَةٌ وَفِي الْحِنْثِ " بِمَعْصِيَتِهِ " وَجْهَانِ، لِأَنَّ الرُّخَصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي، وَقَدْ تَوَسَّعَ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي طَرْدِ هَذَا الْأَصْلِ فِي الْمُقِيمِ الْعَاصِي، وَقَالَ " لَا يَسْتَبِيحُ " شَيْئًا مِنْ الرُّخَصِ. كَالْمُسَافِرِ.
وَذَهَبَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا، وَيُخَالِفُ الْمُسَافِرَ " فَإِنَّ " الْإِقَامَةَ نَفْسَهَا، لَيْسَتْ مَعْصِيَةً، لِأَنَّهَا كَفٌّ، وَإِنَّمَا الْفِعْلُ الَّذِي يُوقِعُهُ فِي الْإِقَامَةِ مَعْصِيَةٌ، وَالسَّفَرُ فِي نَفْسِهِ مَعْصِيَةٌ. قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ أَعْنِي أَنَّ الْمَعَاصِيَ، إنَّمَا " تُنَافِي " الرُّخَصَ، إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ التَّرَخُّصِ، كَالْعَبْدِ الْآبِقِ، لَا يَتَرَخَّصُ بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ.
أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَعْصِيَةُ بِسَبَبِ الرُّخْصَةِ فَلَا، فَمَنْ سَافَرَ وَعَصَى فِي سَفَرِهِ كَانَ لَهُ التَّرَخُّصُ، لِأَنَّهُ عَاصٍ فِي سَفَرِهِ لَا بِسَفَرِهِ " ثُمَّ " اُسْتُشْكِلَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ، ثُمَّ أَفَاقَ وَأَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ الْفَائِتَةِ زَمَنَ جُنُونِهِ مَعَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ " عَنْ الْمَجْنُونِ تَخْفِيفًا " وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّخْفِيفِ، وَحِينَئِذٍ فَالْجُنُونُ لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْقَضَاءِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute