صَرِيحَ الطَّلَاقِ بِقَوْلِهِ طَلَّقْتُك، فَقَدْ " يَتَعَقَّبُهُ " نَدَمٌ فَيَصِلُهُ بِقَوْلِهِ مِنْ وَثَاقٍ، وَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّوَهُّمِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِجَمِيعِهِ لَا بِبَعْضِهِ " كَقَوْلِهِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا يُقَالُ فِيهَا أَنَّهُ نَفَى الْإِلَهَ أَوَّلًا فَخَافَ فَاسْتَدْرَكَ بِالْإِثْبَاتِ ثَانِيًا.
وَانْبَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فَرْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إذَا نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ وَقَعَ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَاهَا كِنَايَةً وَلَا شَكَّ " أَنَّ فِي " النِّكَاحِ نَوْعُ وَثَاقٍ، وَنَوْعُ يَدٍ وَنَوْعُ اخْتِلَاطٍ.
الثَّانِي: اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ " أَمَّا "، وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَقْوَالِ " اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي التَّصْدِيقِ، فَقَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ كَتَحْرِيكِ الرَّأْسِ عَلَى شِدَّةِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ، قَالَ وَيُشْبِهُ حَمْلَ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا قَالَ لَهُ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ صَدَقْت أَوْ نَحْوَهُ عَلَى انْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ فَإِنْ احْتَفَّتْ بِاللَّفْظِ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ فَلَا تُجْعَلُ إقْرَارًا " وَيَأْتِي " فِيهِ " خِلَافُ " تَعَارُضِ اللَّفْظِ وَالْقَرِينَةِ.
وَمِمَّا يُعَارِضْ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَلْحَقُ الْكِنَايَةَ بِالصَّرِيحِ، إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ مَا لَوْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ: طَلِّقْنِي فَقَالَ: طَلَّقْت فَاطِمَةَ، ثُمَّ قَالَ نَوَيْت فَاطِمَةً أُخْرَى طَلَقَتْ وَلَا يُقْبَلُ؛ لِدَلَالَةِ الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: طَلَّقْت فَاطِمَةَ، ثُمَّ قَالَ: نَوَيْت أُخْرَى حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ " فِي الشَّرْحِ " عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute