الْعُرْفُ قُدِّمَ، وَإِنْ خَالَفَ الْعُرْفَ قُدِّمَ؛ لِتَرْجِيحِهِ بِالْمَدْلُولِ الْآخَرِ.
(الْخَامِسُ)
قَالَ الْفُقَهَاءُ: كُلُّ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ مُطْلَقًا، وَلَا ضَابِطَ لَهُ فِيهِ، وَلَا فِي اللُّغَةِ يَحْكُمُ فِيهِ الْعُرْفُ وَمَثَّلُوهُ (بِالْحِرْزِ) فِي السَّرِقَةِ، وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ وَالْقَبْضِ، وَوَقْتِ الْحَيْضِ وَقَدْرِهِ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ حَالُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَيَخْتَلِفُ الْحِرْزُ بِاخْتِلَافِ عَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ، الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ.
وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تَكَادُ تَنْضَبِطُ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ (نَاحِيَتِهِ) فَمَا عَدُّوهُ حِرْزًا فَالْمَالُ مُحَرَّزٌ وَمَا لَا فَلَا، وَمِنْهُ الِاكْتِفَاءُ فِي نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِالْمُقَارِنَةِ لِلتَّكْبِيرَةِ الْعُرْفِيَّةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ: إنَّهَا تُبْنَى أَوَّلًا عَلَى اللُّغَةِ ثُمَّ عَلَى الْعُرْفِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ يُقَدَّمُ (الْعُرْفُ) الشَّرْعِيُّ ثُمَّ الْعُرْفِيُّ ثُمَّ اللُّغَوِيُّ، وَالْجَوَابُ أَنَّ كَلَامَ الْأُصُولِيِّينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَقَائِقِ وَالْأَدِلَّةِ الَّتِي (تُسْتَنْبَطُ) مِنْهَا الْأَحْكَامُ فَيُقَدَّمُ (فِيهَا) الشَّرْعِيُّ عَلَى الْعُرْفِيِّ، كَبَيْعِ الْهَازِلِ وَطَلَاقِهِ فَإِنَّهُ نَافِذٌ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا يُنَفِّذُونَهُ، وَيُقَدَّمُ الْعُرْفِيُّ فِيهِمَا عَلَى اللُّغَوِيِّ عِنْدَ التَّعَارُضِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ فَهُوَ كَالنَّاسِخِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute