الثَّانِي: سَكَتُوا عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَابِطٌ فِي الْعُرْفِ أَيْضًا، وَالْحُكْمُ أَنَّهُ عَلَى الْإِجْمَالِ، وَهَذَا كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: عَلَيَّ مَالٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْمَالِ تَحْدِيدٌ مُقَدَّرٌ فِي الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ، فَيَبْقَى عَلَى إجْمَالِهِ وَيَرْجِعُ إلَى (الْمُقِرِّ) فِي بَيَانِهِ.
وَأَمَّا مَالِكٌ (- رَحِمَهُ اللَّهُ -) فَقَالَ أَقَلُّ (مَالٍ) يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الشَّرْعِ نِصَابُ الزَّكَاةِ (فَأَلْزَمَهُ) بِهِ، وَعُورِضَ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَلِهَذَا رَدَّهُ غَيْرُهُ إلَيْهِ.
(السَّادِسُ) الْعُرْفُ تَارَةً يَكُونُ قَوْلِيًّا وَتَارَةً (يَكُونُ) فِعْلِيًّا (وَفَرْقٌ) بَيْنَ قَوْلِنَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي هَذَا الْمُسَمَّى، وَبَيْنَ قَوْلِنَا جَرَتْ بِفِعْلِ هَذَا الْمُسَمَّى، وَالْأَوَّلُ الْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ، وَالثَّانِي الْفِعْلِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي تَخْصِيصِ الْأَلْفَاظِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُرْفًا لَهَا فَلَا يَكُونُ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَيْهَا، بَلْ سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَالْعُرْفُ الْقَوْلِيُّ سُلْطَانُهُ عَلَى الْأَقْوَالِ؛ لِأَنَّهُ عُرْفٌ لَهَا (فَيُخَصِّصُهَا) وَلَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عُرْفًا لَهَا.
وَيُبْنَى عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ السُّلْطَانَ مَثَلًا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبِسُ ثَوْبًا أَوْ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا فَأَكَلَ خُبْزَ الشَّعِيرِ أَوْ لَبِسَ الْكِرْبَاسَ يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهُ عَدَمَ تَنَاوُلِهِ، وَلَوْ حَلَفَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ رُءُوسًا فَأَكَلَ رُءُوسَ السَّمَكِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ خَصَّصَ الرُّءُوسَ بِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ (التَّخْصِيصَيْنِ) مَا ذَكَرْنَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute