أحمد: قَالَ أَبِي: وَإِذَا قَالَ: جَارِيَتِي حُرَّةٌ إِنْ لَمْ أَصْنَعْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْتِقُ. وَإِذَا قَالَ: كُلُّ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ، لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ جَارِيَتُهُ [فِيهِ كَفَّارَةٌ] ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُشْبِهُ هَذَا - أَلَا تَرَى أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا - الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ لَا يُكَفَّرَانِ - وَأَصْحَابُ أبي حنيفة يَقُولُونَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ: إِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا قَالَ: مَالِي عَلَى فُلَانٍ صَدَقَةٌ، كَذَلِكَ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ قَوْلِهِ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَمَالِي صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَيَّ الْحَجُّ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، أَوْ فَعَبْدِي حُرٌّ: بِأَنَّهُ هُنَاكَ [مُوجَبُ] الْقَوْلِ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ، لَا وُجُودُ الصَّدَقَةِ وَالْحَجِّ.
فَإِذَا اقْتَضَى الشَّرْطُ وُجُوبَ ذَلِكَ كَانَتِ الْكَفَّارَةُ بَدَلًا عَنْ هَذَا الْوَاجِبِ، كَمَا تَكُونُ بَدَلًا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ. كَمَا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ بَدَلًا عَنِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ، وَبَقِيَ الْإِطْعَامُ بَدَلًا عَنِ الصَّوْمِ عَنِ الْعَاجِزِ عَنْهُ. وَكَمَا تَكُونُ بَدَلًا عَنِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ أَمْكَنَ أَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَ أَدَائِهِ وَبَيْنَ أَدَاءِ غَيْرِهِ.
وَأَمَّا الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ: فَإِنَّ مُوجَبَ الْكَلَامِ وُجُودُهُمَا، فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وُجِدَ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ. وَإِذَا وَقَعَا لَمْ يَرْتَفِعَا بَعْدَ وُقُوعِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَقْبَلَانِ الْفَسْخَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ. فَإِنَّهُ هُنَا لَمْ يُعَلِّقِ الْعِتْقَ، وَإِنَّمَا عَلَّقَ وُجُوبَهُ بِالشَّرْطِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِ هَذَا الْإِعْتَاقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهُ، وَلِهَذَا لَوْ قَالَ: إِذَا مُتُّ فَعَبْدِي حُرٌّ، عَتَقَ بِمَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute