للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفائِدَةُ الرّابعةُ: أنَّ المودَّةَ لا تُنالُ بالكَسْبِ، يعْنِي أنَّ الله قَدْ يجْعَلُها فِي قلْبِ الإنسانِ لقوْلِه تَعالَى: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، يعْني أنْتَ لوْ أرَدْتَ أن تُجْبِر نفسَكَ عَلَى محبَّةِ شَيْءٍ واللهُ عَزَّ وجَلَّ لم يجْعَلْ في قلبِكَ مودتَه فلَنْ تحبَّه، ولِهَذا مَنَّ الله عَلَى المؤْمِنينَ بقوْلِه تَعالَى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ} [الحجرات: ٧]، وأنْتَ تقُولُ فِي الدُّعاءِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أسْألُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ العَمَلِ الَّذِي يُقَرِّبُ إِلَى حُبّكَ" (١).

إِذَنْ: فالمودَّةُ يُلقِيها الله عَزَّ وجَلَّ فِي القَلْب، فأنْتَ ينْبَغِي لَك أن تَسْأَل الله دَائِمًا أنْ تَكُونَ محبّتك للهِ وِفي الله لِتكُونَ المحبَّةُ بِاللهِ.

الفائِدَةُ الخامسةُ: أنَّ مَا ذُكِر ليْسَ آيَةً واحِدَةً؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ}، ثمَّ قَالَ: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ}: أولًا: {خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}، ثانِيًا: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فتكونُ آياتٍ متعدِّدَةً.

الفائِدَةُ السادسةُ: وُجوبُ التّراحُمِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَرَحْمَةً}.

وهَلْ يُؤخَذُ منْهَا وُجوبُ معالجَةِ الزَّوجَةِ إِذا مَرِضَتْ لأنَّهَا مِنَ الرَّحمَةِ؟

الفقهاءُ يقُولونَ: لَا يَجِبُ أنْ تُعالِجَها، ولَا يَجِبُ أنْ تُعطِيها قِيمَةَ الدَّواءِ؛ لأَنَّ هَذا ليْسَ مِن النّفَقَةِ، وكَوْنُ الله يجْعَلُ بيْنكم رحمَةً ليْسَ معْنَاهُ أنْ يُلْزِمَك بِشَيْءٍ لَا يلْزَمُكَ، إِنَّما هَذا بَيَانٌ للوَاقِع وَهَذا صَحِيحٌ، فالرَّحمَةُ تُوجَدُ لكِنْ هَل تلْزَمُه؟ هَذا محَلُّ نظَرٍ؛ ولِهَذا قالَ الفُقهاءُ أنَّه لا يَلْزَمُ الدَّواءُ وأُجْرَةُ الطَّبيبِ، وبعْضُ العُلَماءِ يقُولُ: يَلْزَمُ إِلَّا إِذا كانَ الشّيْءُ كثِيرًا يجْحَفُ بِمَالِه فإِنَّهُ لَا يلْزَمُه.


(١) أخرجه الترمذي: كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة {ص}، رقم (٣٢٣٥).

<<  <   >  >>