للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقُنوتٌ للأَمْر الشّرْعِيِّ، وهَذا خاصٌّ بالمُؤْمِن وعَلى هَذا يكونُ المرادُ بالقُنوتِ هُنا الكونيَّ؛ لأنَّهُ قالَ: {كُلٌّ لَهُ}، ولَا يُتصوَّرُ هَذا إِلا فِي الكوْنيِّ، فالكُلُّ خاضِعٌ لأمْرِ الله، قانِتٌ باعْتِبَارِ أمْرِه الكوْنيِّ، إِذا أرَاد شيْئًا عَلَى مَن فِي السَّمواتِ وَالأرْضِ قَال لَهُ: (كُنْ) فيَكُونُ.

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: : عُمُومُ مُلْكِ الله؛ يُؤْخَذُ العُمُوم مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}؛ لأَنَّ (مَنْ) اسْم موصُول، والمَوصولاتُ كلُّها تُفِيدُ العُمُومَ.

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: انْفِرادُ الله عَزَّ وجلَّ بالمُلْك، واخْتِصاصُهُ بِه؛ يُؤخَذُ مِن تقْدِيم الخبَرِ، {وَلَهُ مَنْ فِي}، يَعْني لَا لِغَيرِه، وَهُنا يَرِد عليْنا إشْكَالٌ في قوْلِه تَعالَى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ}، هَذا العُمُوم نجِدُ أنَّ بَني آدَم يمْلِكُونَ أشْيَاءَ مِن هَذا، فمَا الجوَابُ عَنْ ذَلِك؟

الجوابُ عَن هَذا: أنَّ مُلْك بَني آدَم مُلْكٌ مقيَّدٌ بتمْلِيكِ مَنْ لَه المُلْكُ؛ ولذَلك أنْتَ لا تسْتَطِيعُ أن تتصَرَّفَ بمالِكَ كَما تشَاءُ، فأنْتَ لا تَمْلِكُ أن تُحْرِقَ مَالَك، ولا أنْ تُتْلِفَه، صحيحٌ أنَّك تمْلِكُه بالنِّسبةِ لغَيْرِك مِن الآدَمِيّينَ، فَلا يقْدِرونَ أنْ يَمْنَعُوك، لكِن بالنِّسبَةِ للخالِق الَّذي لَهُ المُلك يمْنَعُك مِن هَذا، فصَار مُلْكُنا لما نَمْلِكُ لَيْس مُلكًا تَامًّا، دَلِيلُه أوْ وَجْهُه أنَّنا لَا نسْتَطِيعُ ولَا نمْلِكُ أنْ نتصَرَّف فِيما بَيْن أيْدِينا كَما نَشاءُ.

الفائِدَةُ الثَّالثةُ: خُضوعُ الكائِنَاتِ لرَبِّها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، وأنَّ جَمِيعَ الكَائناتِ خاضِعَةٌ لله.

<<  <   >  >>