للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقولُه {مِنْ شُرَكَاءَ}: مبْتَدَأ، و {لَكُمْ} خَبَرُها مُقدَّمٌ، ولكِنَّ المُبتدَأ دخَلتْ علَيْهِ {مِّنْ} لأَجْل العُمُومِ أوْ للتَّنْصِيص عَلَى العُمُومِ، لأَنَّ {مِّنْ} الزَّائدة تُفيدُ التَّنصيصَ عَلَى العُمُوم، ولكنَّه قدْ يشْكل علَيْنا أنَّ {مِّنْ} لا تُزاد إِلا بعدَ النَّفي، وابْنُ مالك رَحَمَهُ اللهُ يقُولُ في هَذِهِ المسأَلةِ (١):

وَزِيدَ في نَفْيٍ وَشِبْهِهِ فَجَرّ ... نَكِرَةً كـ (مَا لِبَاغٍ مِنْ مَفَرّ)

فـ {مِنْ} زائِدةٌ إعْرابًا, ولكِنَّها في المَعْنى لهَا معْنَى، وهُوَ التَّنصِيصُ عَلَى العُمُومِ، وذَكر ابْنُ مالِكِ رَحَمَهُ اللهُ أنَّها لا تُزادُ إِلَّا بعْدَ نفْيٍ وشِبْهِه، وهُنا سُبِقت بشِبْهِ نفْيٍ؛ لأنَّهُ اسْتِفْهامٌ بمَعْنى النَّفْي، يعْنِي: مَا لكُمْ مِمَّا ملَكَتْ أَيْمانُكُم مِن شُرَكاءَ فِيما رَزَقْنَاكُم.

وقوْله تَعالَى: {مِنْ شُرَكَاءَ}: أيْ مُشارِكِينَ لكُمْ.

قالَ المُفَسر رَحَمَهُ اللهُ: [{فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ} مِنَ الأَمْوالِ وغيْرِها فأَنْتم وهُمْ {فِيهِ سَوَاءٌ} قوْله تَعالَى: {فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ} ليْسَتْ عائِدَةً عَلَى النَّفْي، لكِنَّها عائِدَةٌ عَلَى المنْفِيِّ، يعْنِي: فهَلْ أنْتُم سَواءٌ فِيما رَزقْنَاكُمْ.

قوْلُه رَحَمَهُ اللهُ: [{تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ}: أيْ أمثالِكُمْ مِنَ الأَحْرَارِ]، فجَعل الأنْفُس هُنا بمَعْنى الجِنْس؛ لأَنَّ النَّفْس تأْتِي بمَعْنى الجِنْس، يعْنِي: هَل هَؤُلاءِ المَمالِيكُ شرُكاءُ لكُمْ في رزْقِكُم مِن الأمْوالِ والأَولادِ ومُساوُونَ لَكُم وتَخافُونَهُمْ كَما تخافُونَ مِن أنْفُسِكُمْ؟

والجوابُ: لَا، ليْسَ لَنا مِمَّا مَلكَتْ أَيمانُنا شُركاءُ فِيما رُزِقْنا، فالمَمْلوكُ لَا يُشارِكُك في مالِكَ، ولَا يُشارِكُك أيْضًا في وَلدِكَ، ولَا يُشارِكُكَ في أيِّ شيْءٍ تملِكُه، فإِذا كَان كَذَلِكَ فلِماذَا تجْعَلُون هَذِهِ الأصْنامَ شُركاءَ مَع الله وهِي مخْلُوقةٌ لَهُ ممْلُوكةٌ مرْبُوبةٌ لَه؟ !


(١) البيت رقم (٣٧٠) من ألفيته.

<<  <   >  >>