للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإِنْ فُقِد الاتِّباعُ صَار بدْعَةً، وقَدْ قَال النّبيُّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِنَّما الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" (١)، وَهَذا لِلْإِخلاصِ، وقَال: "مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُو رَدٌّ" (٢)، وَهَذا لِلاتّبَاعِ.

وقوْلهُ رَحَمَهُ الله: [أنتَ وَمَنْ تَبِعَكَ]: أتَى المُفَسّر رَحَمَهُ اللهُ بقَولِه: [وَمَنْ تَبِعَكَ]؛ لأَنَّهُ سيَأْتِينا وصْفٌ مجْمُوعٌ، وهو قوله تَعالَى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ}، آخِرَه، ولَا يُمْكِنُ أنْ تكُونَ الحالُ المجْمُوعةُ لمُفْرَدٍ؛ لأَنَّ الحالَ وصْفٌ، فكَما لا يُخْبَر عَن الواحِد بالجمْع لا تُجعَلُ الحالُ الجمْعُ لواحِدٍ، ومَا ذَهب إِلَيْهِ المُفَسّر صحِيحٌ مِنْ وجْهَيْن:

أولًا: مُراعاة اللَّفْظ الآتِي.

ثانيًا: أنَّ الخطابَ للرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - خطابٌ لَهُ وللأُمَّةِ؛ لأَنَّ زَعِيمَ القَوْم يُوَجَّه إِلَيْهِ الخطابُ الموجَّهُ للجَمِيعِ، مثَلًا الرّكن في الجيْشِ يقُولُ للقَائِد: اذْهَبْ إِلَى الجبْهَةِ الفُلانِيَّة، فإنَّه يُريدُ القَائِدَ ومَنْ مَعَه لَا يُريدُه وحْدَه، فالخِطابُ لزَعيمِ القَوْمِ خِطابٌ للجَمِيع، فاللهُ عَزَّ وجلَّ يُوجِّهُ الخِطابَ للرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -، والمُرادُ هُو والأُمَّةُ، والدّليلُ عَلَى هَذا قوْله تَعالَى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلاق: ١]، فالخِطابُ مُفرَدٌ {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ}، وبَعْدَه {إِذَا طَلَّقْتُمُ} ليْسَ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وحدَه، بلْ كُلّ الأمَّةِ، ويدُلُّ لِذَلِكَ أيْضًا قوله تَعالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: ٢١]، فنَحْنُ لَنا فِيه أُسوةٌ، ونحْنُ لَهُ تَبعٌ.

إِذَنْ: وجْهُ كوْنِ الخِطابِ الخاصِّ بالرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ للأُمَّةِ لَه وجْهَانِ كَما تقَدَّم:


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، باب بدء الوحي، رقم (١)، ومسلم: كتاب الإمارة، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنية ... "، رقم (١٩٠٧).
(٢) أخرجه مسلم: كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، رقم (١٧١٨).

<<  <   >  >>