للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفائِدَتانِ الخَامسَةُ والسَّادِسَةُ: أن ما يقدره الله عَزَّ وَجلَّ لا يمكن أن يُغير لقوْلِه تَعالَى: {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} عَلَى أحَدِ المَعْنيَيْن، أمَّا عَلَى مَا ذَهَب إِلَيْهِ المُفَسِّر رَحَمَهُ اللهُ فيُسْتفَادُ منْه النَّهْيُ عَن الشِّرْكِ.

هل يمْكِنُ أن نقولَ: إنَّ الآيَة تدُلّ عَلَى المعْنيَيْن جمِيعًا، وأنَّها صالِحَةٌ للمَعْنيَيْن جَمِيعًا، يعْنِي صالِحةٌ كَي تكونَ للنَّفْي، وأنْ تكُونَ خبِرَّيةً أوْ أنْ تكُونَ للطَّلبِ فتكونَ إنشَائِيَّةً؟

في الحقيقةِ: أن الإِنشاءَ والخَبر مُتعارِضَانِ، لكِن إِذا جعَلْنا كُلَّ واحِدٍ عَلَى انْفِرادٍ بمعْنَى أنَّنا لَا ندْرِي هَلْ أرادَ الله هَذا أوْ هَذا، ومَا دامَتِ الآيَةُ صالِحَةً لهَذَا وَلِهَذا، فإنَّنا نقولُ: هِي لِلْمعْنيَيْنِ جمِيعًا، يعني أنَّه لا أحَدَ يسْتَطِيعُ أن يُغيِّر مَا خلَق الله، ولَا يجُوزُ لَنا نحْنُ أنْ نغيِّرَ هَذِهِ الفِطْرَةَ الَّتي خُلِقْنا علَيْها مِن الإِخْلاص إِلَى الشَّرك.

الفائِدَةُ السابعةُ: أنَّ أقوَم الأَدْيانِ مَا بُنِي عَلَى الإِخْلاص؛ لقَوْلِه: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}، المشارُ إِلَيْهِ هُو ما سَبق مِن الفِطْرة الّتي فُطِر النّاسُ عليْها، والتّي أمَر الله بِها في قوْلِه تَعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} فالدِّينُ القيِّمُ هُو الَّذي أقَامَ الإنسانُ فِيه وجْهَه للهِ حَنِيفًا، وهِي الفِطْرةُ الَّتي فُطِر النّاسُ علَيْها.

الفائِدَةُ الثّامِنةُ: أنَّ هَذا الدِّين المَبْنِيَّ عَلَى الإِخْلاص اجْتَمع فِيه الشَّرْعُ والفِطْرَةُ، أمَّا الشَّرعُ فلأنَّهُ أُمِر بِه، وأمَّا الفِطرة فلأَنَّ النَّاس خُلِقوا علَيْها وجُبِلوا علَيْها, ولوْلا ما يحْصُل مِن المَوانِع والعوارِضِ لِبَنِي آدَم لكَانَ النَّاسُ كلُّهم مُؤْمِنِينَ عَلَى الفِطْرَةِ كَما جَاء في الحدِيثِ: "أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ" (١).


(١) تقدم قريبًا.

<<  <   >  >>