وبشرائع بينة لا توجب لَبْسًا عَلَى المتبعين تؤخذ مِنْ قوْلِه تَعالَى:{فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي بالآيات البينات الدّالة عَلَى صدقهم وبالشّرائع البينات الواضحة الَّتِي لا تقتضي لَبْسًا عَلَى المتبع، قَالَ أهل العِلْم: وآياتُ الأنبياء عَلَى حسب عصرهم ففي عهد موسى انتشر السّحر وكثر فأعطاه الله تَعالَى من الآيات مَا تبطل السّحر وليست بسحر، أعطاه الله تَعالَى اليد، وأعطاه العصا.
قَالُوا وفي عهد عيسى تقدم الطِّبُّ فأعطاه الله من الآيات مَا لا يمكن للطب أن يقوم بِهِ وَهُوَ إبراءُ الأكمَهِ والأَبْرَصِ وإحياء الموتى وإخراجهم من قبورهم، هذَا لا يمكن أن يقوم بِهِ الطِّبُّ أبدًا، فالميت لا يمكن أن يحيا بالطّب، وقَالُوا أيضًا إن الأبرص لا يمكن شفاؤه بالطّب، والأكمه قَالُوا أنَّه الَّذي خُلق بلا عين، هذَا فيما سبق من العصور لا يمكن أن يوضع لَهُ عين لكن الآن إِذَا وجد مكان العين يمكن أن يوضع لَهُ عين فِي الطّب، لكن إِذَا لم يوجد مثلا خلقه الله عزّ وَجلَّ بدون أن يخلق لَهُ مكانًا للعين لا يمكن أن يوضع لَهُ عين.
في عهد الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - قَالُوا: إن البلاغة بلغت أعلى ذروتها فكان من أعظم آيات الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - هذَا القرآن الَّذي أعجز البُلَغَاءَ والفُصَحاءَ بل تحدى الله بِهِ كل الجن والإنس {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}[الإسراء: ٨٨]، لا انفرادًا ولا تعاونًا، وَلهذا قَالَ:{وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: ٨٨].
لَوْ قَالَ قَائِل: الَّذِين يقُولونَ بالإعجاز العلمي فِي القرآن يقولون: الآن زالتِ البلاغة فالنَّاس لا يستطيعون أن يميزوا أوجه البلاغة والفصاحة ولكن الإعجاز العلمي فِيهِ إشارات علمية لكي يصدق أهل هذَا العصر؟