قال بعضهم {مِنْ قَبْلِهِ} أي: من قبل الاسْتِبْشَار {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ} من قبل الاسْتِبْشَار {لَمُبْلِسِينَ} فذكر الله لهم حالين: قبل الاسْتِبْشَار وبعده، وهذا مَا مشى علَيْه أبو السّعود وَهُوَ جيد وليس فِيهِ إشكال من حيْثُ التّصور والمَعنَى، ويكون المَعنَى وإن كانوا من قبل إنزال المطر من قبل ذَلِك الاسْتِبْشَار لمبلسين فنبههم الله عَلَى حالهم قبل الاسْتِبْشَار وَهُوَ الإبلاس وَعَلَى حالهم بعد ذلك.
وقال بعضهم {مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل قبل أن ينزل عَلَيْهِم {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ} أي من قبل ذَلِك القبل فيجعلون الضّمير فِي قوْله تَعالَى: {مِنْ قَبْلِهِ} لَيْسَ عائدًا إِلَى المطر ولا عائدًا إِلَى الاسْتِبْشَار وَإنَّمَا يجعلونه عائدا إِلَى القبل فالمَعنَى عَلَى هذا: (وإن كانوا من قبل أن ينزل عَلَيْهِم من قبل ذَلِك القبل لمبلسين)، فيكون فائدتها أن الإِبْلاس مستمر معهم من قديم الزّمان فيأتي موسم لا يأتي فِيهِ مطر فيبلسون ثمَّ يأتي موسم آخر فيبلسون ثمَّ يأتي موسم آخر فيبلسون وهكذا، ومعلوم أنَّه إِذَا تكررت مواسم ولم ينزل مطر كَانَ أشد فِي الإِبْلاس ويكون المَغنَى أن هذَا الاسْتِبْشَار أتى بعد يأس مرتين فأكثر وَهذا أيضًا ذكره ابن كَثِير - رحمه الله - فِي تفسيره.
فصار لدينا فِي قوله:{مِنْ قَبْلِهِ} ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنَّه توكيدٌ.
القول الثّاني: أن الضّمير يعود عَلَى الاسْتِبْشَار.