للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سِرْتَ بقدَمِك وَوصلْتَ المكانَ تُغْمِضُ، بلْ تنْظُر بعَيْنِك.

وهلْ النّظَرُ بالعيْن يُفيدُ أوْ لا يُفيدُ؟

إِن كانَ ليْسَ فِيه بصِيرَةٌ فَلا يفيدُ، فالمرَادُ بالسّيْرِ عَلَى القدَمِ النّظَرُ بالعيْنِ لِيُؤدِّيَ ذَلِك إِلَى النّظَرِ بالبصِيرةِ، وإلّا فالنّظرُ المبَاشِرُ بالسّيرِ عَلَى القدمِ هُو بِالعيْن.

وقوْله تَعالَى: {فَيَنْظُرُوا}: (الفاء) هنَا يَجوز فِيها وجْهَانِ:

الوَجْهُ الأوَّلُ: أنْ تكُونَ عاطِفَةً، والمعْنَى: أفَلَمْ يَسيرُوا فَلَمْ ينْظُروا.

الوَجْهُ الثَّاني: أنْ تكُونَ سبَبِيَّةً، والمعْنَى: أفَلَمْ يَسيرُوا فَيَنْظُروا، فبِسَبب سيْرِهم ينْظُرون كيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِين مِن قبْلِهم.

وقوْله تَعالَى: {يَسِيرُوا} و {فَيَنْظُرُوا}: مجْزومانِ بحذْفِ النّونِ، والوَاوُ فَاعِلٌ؛ لأنَّهما مِنَ الأفْعَالِ الخمْسَةِ.

وقوْله تَعالَى: {كَيْفَ}: اسمُ اسْتِفْهامٍ خبرُ {كَانَ} مقَدَّمًا، و {عَاقِبَةُ} اسْمُها في مكانِها، والعاقِبَةُ مصْدَرٌ بمعْنَى العقْبى، وعاقِبَةُ الشّيْءِ ما يتْلُوه وَيأْتِي بعْدَهُ، فقوْلُه تَعالَى: {عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، أيْ مَا تَلا تكْذِيبَهُمْ لِلرُّسُلِ.

قولُه رَحَمَهُ اللهُ: [{الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} مِنَ الأمَم، وهِي إهْلَاكُهُم بتكْذِيبهم رُسُلَهم]: كانَت عاقِبَةُ ثمودَ الإهلاكَ والدّمارَ، وعادٌ الَّذِين استكْبَرُوا في الأرْضِ وقَالُوا: {مَن أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} أيْ: لَا يُوجَدُ أحَدٌ أشَدُّ منَّا قُوَّةً، كانَتْ عاقبَتُهم أنْ أُهْلِكُوا بأَمْرٍ مِن ألْطَف الأشْيَاء وهُو الرّيحُ، وَالرّيحُ جسْمٌ لطِيفٌ لَا يُرَى، لكنَّ هَؤُلاءِ كِبارَ الأجسامِ شدَيدي القوى أُهْلِكُوا بهذِه الرّيحِ اللَّطيفَةِ التي لا تُرى ليتبيَّنَ ضعْفُ الإنسان، وأنه مهْما كانَ فاللهُ عز وجَلَّ أقْوَى مِنْهُ، كَما قَال تعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا

<<  <   >  >>