للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعَلى هَذا فنَقُول: إِنَّ الخلْقَ بمعْنَى المخْلُوقِين، يَعْنِي ثمَّ إِلَى الله يَرْجِعُ هَؤُلاءِ المخلُوقُونَ بَعْدَ الإعادَةِ، وَهَذا الرّدُّ إِلَى الله والإرْجاعُ مِنْ أجْلِ الجزاءِ والحسَابِ، ثمَّ المآلُ إِلَى دَار النّعِيمِ أوْ إِلَى دَارِ الجحِيم.

من فوائد الآية الكريمة

الفائدة الأولى: قدْرَةُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى، حيْثُ ابْتَدَأ الخلْقَ.

الفائدة الثانية: ثُبوتُ حُدوثِ العالم، وأنهُ ليْسَ قَدِيمًا لَا أوَّلَ لَه كَما زعَمَتِ الفلاسفَةُ أنَّ الله ابْتَدأَهُ، والمبْتَدَأُ معْنَاه كَان بالأوَّلِ عدمًا.

الفائدة الثالثة: ثُبُوت البعْثِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ}.

الفائدة الرابعة: أنَّ البعْثَ ليْسَ ابْتِداءَ خلْقٍ، ولكنَّه إعادَةٌ، خِلافًا لمَنْ قَال: إِنَّ البعْثَ ابتِدَاءُ خلْق؛ نأخُذُها مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {ثُمَّ يُعِيدُهُ}، والضّمِيرُ يعُودُ إِلَى الخلْق المبْتَدَأِ، وقَد سبَق في كلامِنا عَلَى هَذه الآية أنَّه لوْ كانَتِ الإعادَةُ ابتداءَ خلْق جدِيدٍ لكانَ يُعَذَّبُ مَنْ لم يَعْمَلْ، ويُنَعَّمُ مَنْ لم يَعْمَلْ، ولكِنَّ البعْثَ إعادَةٌ لما سَبَقَ.

لَوْ قَالَ قَائِل: هلِ المرَادُ إعادَةُ نفْسِ الأجْسَام أمْ تنْبُتُ نَباتًا جديدًا؟

قُلْنَا: نفْسُ الأعْيَانِ التي تفتَّتت وذَهبَتْ يُعِيدُها الله، فإذَا تحوَّلَ إِلَى تُرابٍ يُعادُ، وَهَذا الجسْمُ المخْلُوقُ هُو نفْسُ الأوَّل، يجْمَعُ الله تَعالَى ما تفَرَّقَ منْهُ ثمَّ يُحْيِيهِ.

الفائدة الخامسة: الاسْتِدلال بالمبْدَأ عَلَى المعَادِ، تُؤْخَذُ مِنْ قوْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَبْدَأُ}، و {ثُمَّ يُعِيدُهُ}، فإنَّ هَذا استِدْلالٌ بالمبْدَإِ عَلَى المعَادِ، والاسْتِدلال بالمبْدَإِ عَلَى المعَادِ استِدْلَالٌ حقِيقِيّ ومنْطِقِيٌّ ومعقُولٌ، فالمبْدَأُ أشَدُّ وأصْعَبُ، فالقادِرُ عَلَى الابتِدَاءِ قادِر عَلَى الإعادَةِ؛ وَهذا قالَ الله تَعالَى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ

<<  <   >  >>