للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا مشابَهةُ المخلُوقِين: فقَدْ قَال الله تَعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] وتَنْزيهُ الله عَنْ مُشابَهَةِ المخْلُوقِينَ هُو في الحقِيقَةِ تنْزِيهٌ لهُ عَنِ النّقْص؛ لأَنَّ المخلُوقَ ناقِصٌ، وتشْبِيهُ الكامِل بالنّاقِص يجْعَلُه ناقِصًا، بِل إنَّ المقَارنَةَ بينَهما تحُطُّ مِن رُتبة الكامِل، كَما قِيلَ:

ألم تَرَ أنَّ السّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ ... إِذَا قِيلَ إِنَّ السّيْفَ أَمْضَى مِنَ العصَا

قوُله رَحَمَهُ الله: [سبحوا الله بمعنى صلوا]: أفادَنا المُفَسِّر بهذَا أنَّ المرادَ بتَسْبِيحِ الله تَعالَى هنَا تَسبِيح خاصٌّ وهُوَ الصّلاة، فلَمْ يجْعل التّسبيحَ عامًّا يشْمَلُ الصّلاةَ وغيْرَها, لتَقْييدِه بهَذِه الأوقاتِ، فإِنَّ تقْييدَه بهَذِه الأوْقَاتِ يدُلُّ عَلَى أنَّ المرَادَ الصّلاةُ وأُطْلِق عَلَى الصّلاةِ تَسْبِيح لأَنَّ التّسبِيحَ مِن واجِباتِها كَما قَال الله تَعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)} [الواقعة: ٧٤] قَالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "اجْعَلُوها في رُكوعِكُمْ"، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} [الأعلى: ١] قَالَ: "اجْعَلُوهَا في سُجُودِكمْ" (١)، وعَلى هَذا فتكُونُ الصّلاةُ هِي المرَادُ بالتّسبِيحِ، وَيدُلُّ عَلَى التّخِصيصِ تقْييدُها بأوْقَاتِ الصّلاةِ، وأيضا التّسبيحُ المطْلَقُ خصّهُ الله بوَقْتَيْنِ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩] , وَلمَّا جعَل هَذا خمْسَةَ أوْقَاتٍ عُلِم مِنْ قَرينَةِ التّقْسِيمِ في الوَقْتِ أنَّ المرادَ بِذَلِكَ الصّلواتُ الخمْسُ.

قوْله تَعالَى: {وَلَهُ الْحَمْدُ} مبْتَدأٌ وخَبرٌ, والخبَرُ مُقدَّمٌ لإِفادَةِ الحصْرِ، فَلَهُ وحْدَه الحمْدُ، وحَمْدُ الله تَعالَى يختَصُّ بأنَّه حمْدٌ يستَحِقُّه المحمودُ؛ وَلهذا نقُولُ: إِنَّ (اللامَ)


(١) أخرجه أحمد (٤/ ١٥٥، رقم ١٧٤٥٠)، وأبو داود: كتاب الصّلاة، باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، رقم (٨٦٩)، وابن ماجه: كتاب إقامة الصّلاة والسّنة فيها، باب التسبيح في الرّكوع والسّجود، رقم (٨٨٧).

<<  <   >  >>