للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوْلُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} خصَّهُما بِالذّكْر لأنَّهُما محَلُّ نُفوذِ فعْلِه، فإِنَّ الَّذي في السّموَات وَالأرْض مِن الملائِكَةِ والبشر والجنِّ وغيرِها كلُّها تَحْمَدُ الله، وكلُّها محَلُّ حمْدِه.

فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: هلِ الكافِرُ يحَمَدُ الله؟

فالجوابُ: بِلِسانِ المقَالِ لَا، أمّا بِلسَانِ الحالِ فنَعم، بمَعْنى أنَّ حاله تسْتَوْجِبُ لمَنْ تأمَّلَها أنْ يَحْمَدَ الله، هَذا معْنَى قوْلهِم: إِنَّ هَذا يحْمَدُ بلِسَانِ الحالِ، أوْ يُسَبِّحُ بِلسانِ الحالِ، يَعْنِي أنَّ حاله مَن تأمَّلَها عرَفَ بِها مَا يسْتَحِقُّه الله تَعالَى مِنَ الحمْدِ والتّنْزِيه.

وقوْله تَعالَى: {وَعَشِيًّا}: معْطوفٌ عَلَى قوْلِه تَعالَى: {حِينَ تُمْسُونَ}، يعْنِي وسَبِّحُوا الله عَشِيًّا، والعشِيُّ مِنَ الزّوالِ إِلَى غُروبِ الشّمْسِ، وَفي حدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ في المسِيءِ في صَلاتِه قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِحْدَىَ صَلَاتَي العشِيِّ" (١).

قوْله تَعالَى: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}: معْطوفٌ عَلَى قوْلِه تَعالَى: {حِينَ تُمْسُونَ}، والقاعِدَةُ في المعطُوفاتِ أنْ يكُونَ العطْفُ عَلَى أوَّلِ واحِدٍ لأنهُ هُو المحَلُّ الَّذي وَقع علَيْه عمَلُ العامِلِ، فيَكُونُ العطْفُ عَلَى الأوَّلِ، فإِذا قُلْتَ: (قامَ زيْدٌ وبَكْرٌ وعمْرٌو) فإِن عمرًا معْطُوفٌ عَلَى زيدٍ، فهَذِهِ الأوْقاتُ الخمْسَةُ هِي أبْسَطُ مَا ذكَرهُ الله تَعالَى في القرآنِ مِن أوْقَاتِ الصّلَواتِ وذَكَرها مُجْمَلَةً في قوْلِه تَعالَى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: ٧٨] , ففِي هَذِهِ الآية {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، يَعْنِي وقْتَ دُلُوكِ الشّمْسِ؛ لأَنَّ (اللامَ) للتَّوْقِيتِ مثْلَ {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: ١] أيْ وقْتَ اسْتِقبَالِ عِدَّتِهِنَّ، فَـ {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} لِزَوالها


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصّلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره، رقم (٤٨٢)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصّلاة، باب السّهو في الصّلاة والسّجود له، رقم (٥٧٣).

<<  <   >  >>