للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي ذَهب إليْها أوْ كَان قائِدَها (دَارُون)، فهِي نظريَّةٌ خاطِئةٌ وباطِلَةٌ بِلا شَكٍّ، وجْهُ ذَلِك مِنَ الآيَة أنَّ الله يقُولُ: {أَنْ خَلَقَكُمْ} فيُخاطِبُ البَشرَ باعْتِبَارِه بَشَرًا.

إِذَنْ: فهُو بشَرٌ منْذُ أنْشِئ مِنَ التُّرابِ إِلَى اليَوْم، أمَّا أُولئكَ فَيَقُولُونَ: إِنَّ أصْلَ الإنْسَانِ ليْسَ بشَرًا، بَلْ أصْلُ الإنْسَانِ قِرْدٌ ثمَّ تطَوَّر فصَار بَشَرًا، ويُمكِنُ أنْ يتطَوَّر بعْدَ ذَلِك وَيصِير مَلَكًا، ولَا أَدْرِي مَاذا يقُولُ فِي أصْلِ الحمِيرِ وَالبِغَالِ والخيْلِ والدَّجاجِ مَا أصلُها وتطَوَّرَتْ إِلَى مَاذا؟ ثمَّ لا نَدْري مَا هو التّطوَّرُ الآخَرُ، هَل نحْنُ نكوُن ملائِكَةً؟

وعَلَى كُلِّ حَالٍ: إنَّ هَذِهِ النظرِيَّةَ - الحمْدُ لله - حتَّى فَلاسِفَةُ الغرْبِ وعُلَماءُ الطّبِيعَةِ مِنَ الكفَّار الآن أبْطَلُوها، وتبَيَّن لهمْ أنَّها نظَرِيَّةٌ باطِلَةٌ خاطِئَةٌ، ثمَّ نَحْنُ نَعْلَمُ عِلْمَ اليَقِين بِدُونِ أيِّ نَظَرٍ أنَّها باطِلَةٌ، وَأنَّ اعتِقَادَها كُفْرٌ لأنَّهَا تكْذِيبٌ للْقُرآنِ والسُّنَّةِ وَإِجْماعِ المُسلِمِينَ، فكُلُّ هَذا لا شَكَّ أنَّه كَذِبٌ ولَا أصْلَ لَهُ، فالإِنْسانُ خُلِقَ مِنْ تُرابٍ كَما قَالَ الله عَز وَجَلَّ، تُرابٌ جعَلَهُ الله طِينًا، ثمَّ فَخَّارًا حتَّى كانَ صَلْصالًا لَهُ صَلْصَلَةٌ إِذا ضرَبْتَ علَيْهِ فَهُو كالفَخَّارِ، كَما قَالَ الله عَز وجَلَّ ثمَّ تَكَوَّنَ الإنسَانُ، واللهُ عَلَى كُلِّ شيْءٍ قَدِيرٌ، فَهَذا وغَيْرُه تكْذِيبٌ لصَرِيحِ القُرآنِ.

الفائِدَةُ الخامسةُ: حكْمَةُ الله عَزَّ وجَلَّ في كَوْن الآدَمِيّ بَشَرًا، أَيْ بَادِي البَشْرَةِ؛ لأنَّكَ إِذا علِمْتَ أنَّك مُفتَقِرٌ إِلَى اللِّبَاس الحسِّيِّ علِمْتَ أنَّك مُفتَقِرٌ إِلَى اللِّبَاس المعْنَوِيِّ: لِبَاسِ التّقْوَى كَما قَال الله تَعالى: {يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦].

الفائِدَةُ السادسةُ: أنَّ هَذا البَشَر الَّذي خُلِق مِن أصْلٍ واحدِ انْتَشر ومَلأ الأرْضَ، فَهَذا البَشَرُ مِن طَبيعَتِه الانْتِشَارُ والذّهَابُ والمَجِيءُ وطلَبُ الرِّزقِ وطلَبُ الصَّنائِع

<<  <   >  >>