أنه ليس عنصرا أساسيا كالإنسان والزمن والتراب، إلا أنه يتولد من هذه العناصر الثلاثة، لا من الخطب الانتخابية أو الوعظية.
فعندما كان المسلمون الأُوَل يشيدون مسجدهم الأول بالمدينة، كان هذا أول ساحة للعمل صنعت فيها الحضارة الإسلامية.
فلو أننا نظرنا إلى هذه الساحة في بساطتها، وقلة شأنها في ذلك الوقت لدعانا المشهد إلى الابتسام، ولكن، أليس هنالك قد تلقى بناءو الحضارة الإسلامية دروس العمل؟؟!!
أو ليسوا هنالك قد قبضوا لأول مرة على عصا التاريخ؟
إن الشيء الذي يهمنا في المجتمع الناشىء هو الناحية التربوية في عملنا، لا الناحية الكسبية، إذ أن الناحية الكسبية لا تظهر إلا في المرحلة التي تطابق عند علماء الاجتماع "تقسيم العمل": وأي خلط بين هذين المظهرين يدفع المجتمع الناشىء إلى إهمال شطر من إمكاناته واثقال كاهله بالأعباء، التي لا يمكن تحملها إِلا لمجتمع تطور فعلا، وأصبح شعاره:" كل جهد يستحق أجراً".
أما في المجتمع الناشىء، فإن كلمة " أجر" تفقد معناها، لأن العامل لا علاقة له بصاحب عمل، ولكن بجماعة أو عشيرة يشاطرها بؤسها ونعماها.
إن توجيه العمل في مرحلة التكوين الاجتماعي بعامة يعني سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد، بما في ذلك جهد السائل، والراعي، وصاحب الحرفة، والتاجر، والطالب، والعالم، والمرأة، والمثقف، والفلاح، لكي يضع كل منهم في كل يوم لبنة جديدة في البناء.
فإعطاء ثلاثة حروف من الأبجدية عمل، وتقبل هذه الحروف عمل، وإزالة أذى عن الطريق عمل، وإِسداء نصح عن النظافة أو الجمال- دون أن يغضب الناصح حين لا يصغى لنصحه- عمل، وغرس شجرة هنا عمل، واستغلال أوقات فراغنا في مساعدة الآخرين عمل، وهكذا ..