وأن يتعدى حدود ميدانه الخاص، إلى ميدان أوسع انتشارا، وأعم فائدة، وأن يخلق في تطوره هذا مفهوما اجتماعيا سمي بالرأسمالية.
غير أن هذه الظاهرة- التي نقلت الثروة من حالتها البسيطة، إلى حالة واسعة منتشرة سميت " بالرأسمال "- لم تحدد " رأس المال " من حيث الكم، بل من حيث الكيف أو الحالة، فالدرهم الذي يتحرك، وينتقل، ويدخل، ويخرج عبر الحدود، يسمى " رأسمال "، والمليار من الدراهم المستقر الساكن هو ثروة ذات محيط ضيق.
أما " تركز " رؤوس الأموال فهو صفة طارئة على " رأس المال "، وليس من جوهره، وهو صفة لا تتناقض مع الصفة الأولى لرأس المال- وإنما تكملها من حيث الكم.
وعليه، فإن توجيه رأس المال وهو لا يزال في طور التكوين في بلادنا - لا يتصل أولا بالكم، بل بالكيف، فإن همنا الأول أن تصبح كل قطعة مالية متحركة متنقلة تخلق معها العمل والنشاط، أما الكم فإن ذلك الدور الثاني، دور التوسع والشمول.
وتاريخ العرب نفسه يحمل نموذجا بسيطا لما قدمنا. إذ كانت مكة قبل الاسلام تسير أموالها حسبما يقتضيه الأسلوب الرأسمالي، ومن المعروف أن قريشا لم تكن تملك من أموال الانتاج الشيء الضخم كالعقارات والمصانع، غير أن قوافلها كانت تجوب الصحراء حاملة بضائع الشرق الأدنى، في رحلة الشتاء والصيف، وكانت قريش كلها تسهم في تزويد هذه الرحلة.
والحالة اليوم في البلاد الإسلامية الفقيرة تشبه إلى حد بعيد حالة الجزيرة الفقيرة. (التي كانت تسكنها قريش)، حيث لم يبق لأغلب أهل البلاد الإسلامية عقار ولا قطيع ولا مصنع: في الشمال الافريقي، وفي جزيرة العرب، والمحميات، وفي إيران، والأفغان، وباكستان، وتركيا، وأندونيسيا.
فالقضية ليست- كما بينا- في تكديس الثروة، ولكن في تحريك المال