في سبيل تقدم المدنية، فلا وجود لهذه المشكلة بغير هذا الإطار، وهو ما نريد تأكيده في هذا الفصل.
والآن نسأل أنفسنا: هل من المفيد للمرأة المسلمة أن نجعلها في مركز تشبه فيه أختها الأوربية؟ .. لقد اتبعت هذه الطريق بعض البلاد الإسلامية، وهي تمثل في نظرها حركة التجديد في حياة المرأة، التي ما زال يدعو إليها المجددون، ولكننا بشيء من النظر نرى أن انتقالنا بالمرأة من امرأة متحجبة إلى امرأة سافرة، تطالع الصحف وتنتخب، وتعمل في المصنع لم يحل المشكلة، فهي لا تزال قائمة، وكل الذي فعلناه أننا نقلنا المرأة من حالة إلى حالة، وسنرى عما قريب أن انتقالنا هذا عقد المشكلة بعد أن كانت بسيطة، فليست حالة المرأة الأوربية بالتي تحسد عليها، فظهور المرأة الأوربية في مظهر لا يخاطب في نفس الفرد إِلا غريزته أثار أخطارا جديدة، كنا نود أن يكون المجتمع بمنجاة منها، فمشكلة النسل في البلاد الأوربية وصلت إلى حالة تدعو أحيانا إلى الرثاء، إذ أنها فقدت تنظيمها الاجتماعي، بحيث جعلت المجتمع الأوربي- وقد امحت منه معاني التقديس للعلاقات الجنسية- يعتبر هذه العلاقات تسلية للنفوس المتعطلة؛ وبذلك فقدت وظيفتها من حيث هي وسيلة لحفظ الأسرة، وبقاء المجتمع.
ومن هنا نجد نذيرا جديدا للذين يجعلون من أوربا مثلهم الأعلى في كل تجديد؛ فإن مشكلة المرأة الأوربية مازالت خطيرة، خطيرة حتى في ذهن المرأة ذاتها، وفي تصورها لنفسها، كيف تتحقق كمثل أعلى خلقي وجمالي لحضارة.
ويمكن أن نرى خطورة هذه المسألة في أحد مظاهر حياتها في أوربا، أعني " المودة " فالزي الذي تختاره المرأة لنفسها دليل واضح على الدور الذي تريد تمثيله في المجتمع وتمثله فعلا، فقد كانت المرأة الأوربية إلى عهد قريب تلبس اللباس اللطيف من (الدانتلا)، تستر به مع أنوثتها سرها المكتوم حتى أخمص قدميها، وتتخذ من حيائها حاجزا يمنعها من التردي في الرذيلة، فكانت بردائها هذا خير مثل للرقة والأدب في المجتمع، إذ كانت السيدة الجديرة بكل احترام.