الرجل قد أتى في مجال الفن والعلم بالمعجزات، فإن المرأة قد كونت نوابغ الرجال. ونحن نرى لزاما علينا أن يكون تناولنا للموضوع بعيدا عن تلك الأناشيد الشعرية، التي تدعو إلى تحرير المرأة، فالمشكلة لا تتحدد في الجنس اللطيف فحسب، أو في بنات المدن، أو بنات الأسر الراقية، بل هي فوق ذلك تتعلق بتقدم المجتمع وتحديد مستقبله وحضارته.
وإذا تساءلنا هل يجب نزع الحجاب؟ أو هل يسوغ للمرأة التدخين؟ أو التصويت في الانتخابات؟ أو هل يجب عليها أن تتعلم؟ فينبغي ألا يكون جوابنا عن هذه الأسئلة بدافع من مصلحة المرأة وحدها، بل بدافع من حاجة المجتمع وتقدمه الحضاري، إذ ليست الغاية من البحث في اشتراكها في هذا المجتمع إِلا الإفادة منها في رفع مستوى المرأة ذاتها، وإذن فليس من المفيد لنا أن ننظر إلى مشكلتها بغير هذا المنظار.
ولقد نعلم أنه يضيق صدر بعض ذوي الأذواق الرقيقة بما نقول. فيحتجون علينا بأن مثل هذا الموقف يذيب المرأة في المجتمع، ولكننا نقول لهم: إن إعطاء حقوق المرأة على حساب المجتمع معناه تدهور المجتمع، وبالتالي تدهورها، أليست هي عضوا فيه؟ فالقضية ليست قضية فرد، وإنما هي قضية مجتمع.
لقد بدأت المرأة المسلمة التي كانت إلى زمن قريب تلبس (الملاية) في إفراط - تسلك في سيرها الاجتماعي الطريق الذي رسمته أوربا لنسائها، متخيلة أن في ذلك حلا لمشكلتها الاجتماعية.
ونحن نأسف أن يكون نساء الشرق بهذه الدرجة من البساطة، حين يرين مشكلتهن قد حُلت بمثل هذا التقليد لنساء أوربا، فإن مشكلة المرأة مشكلة إنسانية يتوقف على حلها تقدم المدنية، فلا يكون حلها إذن بمجرد تقليد ظاهري لأفعال المرأة الأوربية، دون ما نظر إلى الاسس التي بنت عليها المرأة الأوربية سيرها. ونحن إذ نحاول في هذا الفصل أن نحدد مهمة المرأة في المجتمع ينبغي أن ننظر إلى هذه المشكلة، وهي تسير منسجمة مع المشكلات الاجتماعية الأخرى،