للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وليس اللباس من العوامل المادية التي تقر التوازن الأخلاقي في المجتمع فحسب، بل إن له روحه الخاصة به. وإذا كانوا يقولون: (القميص لا يصنع القسيس) فإني أرى على العكس من ذلك، فإن القميص يسهم في تكوين القسيس إلى حد ما، لأن اللباس يضفي على صاحبه روحه ومن المشاهد أنه عندما يلبس الشخص لباسا رياضيا، فإنه يشعر بأن روحا رياضية تسري في جسده، ولو كان ضعيف البنية، وعندما يلبس لباس العجوز فإن أثر ذلك يظهر في مشيته وفي نفسه، ولو كان شاباً قوياً.

ولم يكن نزع الطربوش والاستعاضة عنه بالقبعة في تركيا الكمالية بالشيء البسيط، فقد كان أتاتورك يعلم أن الطربوش جزء من الفكر العتيق، فكر الباحثين عن السلوك وقتل الوقت، أولئك الذين سئموا الحياة، وباتوا يدخنون النرجيلة، ويتلهون بكركرتها عن كر دقائق الزمن، تسلية لأنفسم بحياة تنابلة السلطان.

لقد كان من المحتم على أتاتورك أن يحطم ذلك الاستقرار المتحجر، في أحلام دامت قرونا على شاطىء البوسفور، فكانت القبعة هي القنبلة التي انفجرت في ذلك المجتمع، فحطمت أحلامه الخاوية، وبددت عن أفقه دخان النرجيلة، وطوت زرابيه المبثوثة، التي كان يلقي عليها همته ونشاطه.

لقد كانت فكرة مصطفى كمال التي دبرها قنبلة، ولكن تأثيرها لم يتم لأن صاحبها لم يفكر في الشروط الأخرى لنهضته.

ومهما يكن من أمر، فإننا نرى أن مشكلة الزي موضع اعتبارات مهمة غير التي ذكرنا، ونعني بها تلك التي تدفع إلى الاعتناء بالشكليات، فمن المعلوم أن الملبس يسير مع أهله في تطور التاريخ، وتبدل الأزمان، والدول المتقدمة تغير أزياءها الرسمية حسب تغيرات التاريخ، وبخاصة بعد النكبات الحربية، فإذا ما شوهت هزيمة كرامة زي من الأزياء العسكرية، نرى الدولة المهزومة كثيرا ما تقتبس أزياء الدولة المنتصرة. وقد شاهدنا ذلك مثلا في الجيش الروسي بعد

<<  <   >  >>