وهذا الفيلم المصري ... ماذا أفادنا؟ وماذا اقترح علينا؟
أنا لا أريد أن أعتقد بأن الشعب المصري قد تجرد من حاسة التفرقة بين الجد والهزل، فكيف تنشأ فيه هذه المهازل! أو هذه الأفلام؟ ..
وأيا ما كان الأمر فإن البلاد العربية والإسلامية يجب أن تتحرر من هذا الغل الخلقي التهذيبي- وهو أخطر الأغلال- لكي تنقذ ذوقها الفني.
إننا نرى أن للفن الجميل دخلا حتى في الصور التي تختار لأطفالنا الصغار في كتبهم المدرسية، فلقد شاهدت صورة في كتاب مدرسي للأطفال يدرَّس في مصر (قبل الثورة) ويظهر فيه طفل ترافقه أخته، وهما ذاهبان إلى المدرسة ووراءهما خادم يحمل لهما حقيبتهما: فهذه صورة تبعث في نفس الطفل روح الاتكال واحتقار العمل والعاملين، وهي تصور ما يناسب حاجة (الباشوات) الذين كان بيدهم من قبل- ناصية الأمر لا سواد الشعب.
ولا شك في أن مثل هذه الصورة وسائل قتالة في وطن يحتاج إلى التهذيب، لا في سلالة الباشوات، ولكن في أبناء الشعب.
وقبل أن نفرغ من هذا الفصل نلفت النظر لمظهر آخر من مظاهر الحياة الفنية عندنا وذلك أننا لا نجمع في خدمتنا للفن بين الجهد والعبقرية، كان الكسل من ميزات الفن الجميل عندنا. وربما نعجب إذا سمعنا أن المقدرة والنبوغ في الفن هما نتيجة الكد الطويل، والجهد المستمر، والعمل الثابت، والاجتهاد في البحث، والانتقاد بقصد التحسين.
وليس من شك في أن المواهب الفطرية شرط واجب، إلا أنها ليست الشرط الوحيد، لأن المواهب وحدها وإن كانت تنير اسم الفنان إِلا أنها- من غير كد وجهد- تحرقه، وسرعان ما يصبح في ظلمات النسيان. وهكذا كان شأن بعض فنانينا، فإنهم أضاءوا لحظة، ثم أنطفأوا إلى الأبد، مع أنهم كانوا على جانب من المواهب، لو أنهم استخدموها في سبيل الفن، لكانوا بين الخالدين.