ولعل هذا يتطلب منا خدمة شاقة، ولكن لنا في دول أخرى أسوة حسنة، فإنها قد تعرضت لمثل هذه المحن، فواجهتها بكفاح وعبقرية.
لقد قامت فرنسا حوالي عام ١٨٥٠ بغرس الأشجار في الناحية الجنوبية الغربية من البلاد، حيث كانت رمال الشاطىء الأطلنطي والمستنقعات الضارة تهدد مصالح أهلها وصحتهم، ولكن سكان تلك المنطقة انطلقوا بهمة وصبر، يوقفون الرمال عند حدها، وتكبدوا في سبيل ذلك ما تكبدوا، وقضوا عشرين سنة يسدون الطريق على الرمال من مدينة (بوردو) إلى مدينة (بياريتز).
فانتصروا على الرمال التي أرادوا صدها، وكانت نتيجة انتصارهم أبعد مما كانوا يتوقعون.
فقد كانت تلك المنطقة أفقر المناطق وأخطرها على الصحة في فرنسا فأصبحت بما تمتعت به من الأشجار الكثيرة ذات حركة اقتصادية ممتازة إِذ أصبحت أول منتج في العالم لزيت (التريبنتين) المستخرج من تلك الأشجار، وأصبحت ملجأ صحياً للمرضى من جميع أنحاء العالم.
ولن يعيبنا أن نضرب أمثلة من جميع انحاء العالم للتدليل على ذلك الانتصار الباهر الذي سجله الإنسان على عوامل الطبيعة، وذلك باستعماله الثلاثية الدائمة: الإنسان والتراب والزمن، ويمكن أن نذكر- لولا الإطالة- المعجزات التي قامت بها روسيا في هذا الميدان، وكذلك هولندا، التي يعتبر أكثر من ثلث بلادها مصنوعا بأيدي أهلها.
ومهما يكن من بدائية وسائلنا فإن علينا أن نعمل، فالعمل لازم لزوم دراسة طبيعة الارض والمناخ، فمثلاً غرس الأشجار في الأرض الصخرية ضرب من العبث في أول الأمر، إذ يجب أولاً أن نبدأ بزراعة الشواطىء القريبة من البحار، والتي لا يزال فيها بقية من استعداد لأن تستصلح بغرس الأشجار، ويكون ذلك بإنشاء