ولقد أصبحت القضية اليوم في طورها النهائي من الخطورة، لأنها أصبحت تمس كيان الفرد، لا مصالحه فقط، ومن المناسب ذكر بعض الارقام توضيحاً لخطورتها:
فعلى سبيل المثال انخفض عدد السكان في منطقة جنوب قسنطينة وهي (تِبسّة) منذ عام ١٩٣٩ إلى الآن، من مائة وثمانين ألفا إلى أربعين ألفا تقريبا، بينما الماشية التي كانت مورد الإقليم الوحيد نجدها اليوم على وشك الانقراض. وظاهر أن سبب الأزمة جوي ناشيء عن قلة المطر، وهي تتسبب في جفاف القشرة الخصبة من الارض، فتذروها الرياح، وتكفنها الرمال ... وهكذا تولد الصحراء في مهد الأرض الخصبة.
وبدهي أنه لا حل لهذه الأزمة غير الشجرة، ولا يمنع ذلك أن يكون ثمة حل آخر، ولكنه في أيدي علماء الدولة المتمدينة أولئك الذين يستعملون علومهم لتخريب الأرض لا لتعميرها، فمن اليسير عليهم أن تحل تلك المشكلة حلاً علمياً باستعمال الطاقة الكامنة في الذرة، إِذ أن كل جرام من المادة يحوي آلاف المليارات من الوحدات الحرارية.
فلو أن هذه القوة استعملت في تبخير ماء البحر، بدلاً من أن تصرف في تبخير الجنس البشري وتدمير أرضه، اذن لحلت قضيتنا بوساطة الأمطار الصناعية.
ولكن ذلك بعيد عن أذهانهم، فإن سمة المدنية التي ينتسبون إليها تتطلب منهم ذلك التدمير، فلم يبق لنا إذن إلا أن نلتفت إلى الشجرة، غير أنه لن يتحقق لنا مثل ذلك النصر على الصحراء إلا اذا انتصرنا على أنفسنا الخاملة الكسولة، لأن القضية لا تتطلب شجرة واحدة، بل مئات الملايين.
وبالأحرى فإن القضية لا تهم الجزائر وحدها، بل الكتابة الطبيعية التي تكونها جبال الأطلس والبحر المتوسط، أي إِفريقيا الشمالية كلها.