باكستان والأناضول والأردن والحجاز وغيرها، ولكننا نجعل نقطة تركيزنا على بلاد الشمال الأفريقي التي نعرفها، فعلى طول الخط الذي يمتد من جنوب تونس إِلى جنوب مراكش تتقدم الصحراء كل سنة، والسبب في ذلك. يعود بلا شك إلى الإقلال من الأشجار والغابات إقلالاً بالغاً، وبخاصة في الأعوام الأخيرة (١).
وانقراض الغابة في الشمال الأفريقي شيء له تاريخ قديم، يرجع إلى عهد الكاهنة التي صيرت جنوب البلاد (أرضاً حريقاً) كما يقول أهل البلاد.
ومن ذلك العهد بدأ خط الصحراء يصعد من الجنوب إلى الشمال في كل سنة. ويزدرد شيئا فشيئا الأراضي الصالحة للزراعة، ليدفنها تحت الرمال.
وليست أرض البادية- في أصلها إلا أرضا خضراء مخصبة صالحة للزراعة، حولتها الأيام إِلى ما هي عليه الآن، وهي جادة في تخريبها حتى تبلغ المأساة منتهاها، عندما تتعذر الحياة فيها على الحيوان، بعد أن تعذرت على النبات. وهذا التحول في الأرض الخصبة إلى فلاة ثم إلى صحراء- يؤدي إلى تحول في الحياة الاقتصادية، فقد تتحول أولاً حرفة البلاد من الزراعة إلى رعي الماشية، ومن هذه إلى لا شيء. وإن هذا التطور الطبيعي ليفرض على الحياة البشرية أن تتبع هذه الدورة الجهنمية، ونتيجة هذا التكيف تظهر في النهاية في صورة حياة اجتماعية راكدة هي ((الحياة النباتية)).
وإِن الإنسان ليدرك هذا الطور حين لا يجد في يده من الوسائل ما يرد به غائلة الصحراء، فيترك العمل، حيث لم تعد له حاجات يطلب إشباعها.
لقد كانت بلاد الشمال الإفريقي قبل ألف سنة تحتوي على مساحات من الأشجار تبلغ سبعة ملايين من الهكتارات، غير أننا نجدها اليوم قد نقصت إلى الثلث تقريبا، وهنا يكمن سر المأساة التي نعيشها اليوم، حيث نجد الجو لا يكف عن أن يقترب يوما فيوما من الطقس الصحراوي القاري.
(١) ويبدو أن هذه الظاهرة الطبيعية تعم كل البلاد الإسلامية.