ونحن لا نرى في هذا مجرد مشكلة، بل نراها في الحقيقة مأساة دامية، إذ تموت الأرض الخضراء عن أهلها، وتتركهم يتامى بين يدي الصحراء المقفرة، وليس لهم من مطعم إلا بعض أشجار من النخيل، وليس لهم من مشرب إلا بقية مما ترك الشتاء من مطر، هذا المصير الذي تنتظره أراضينا الخصبة يشبه إلى حد كبير مأساة (برقة) التي اكتسحتها الرمال منذ ألف عام.
ولكن ماذا فعل سكان الأرض أمام هذا الغزو؟ ..
إنهم وقفوا منه موقف الضعيف الجبان! لقد فر ساكن البادية، ذلك الرحالة الذي لم تبق له أرض يحرثها، ولا ماشية يحلبها، لم تبق له إِلا دابة يركبها ليفر، فهو الآن تائه حائر بين الصحراء التي تبدده، وبين المدن الساحلية التي ترفضه أو تبتلعه حيث تجعل منه إنسانا منبوذا.
ولقد كان من آثار هذا الجدب الضارب في الأرض، أن أصبحت رحلة القبائل في الشتاء والصيف مهددة بالانقراض، ولسوف يكون في انقراضها انقراضُ الرجل الفطرة الذي لم يستقر مصيره في البلاد.
وهكذا يذهب تراثُنَا الحيوي- تراث اللحم والدم- يذهب هباء ..
إنه الهرب .. إنه التشتت .. إنه الموت!!!
إن الوضع خطير، ولكنه لا يدعونا إلى اليأس من إصلاح ما نحن فيه.
فإن علينا أن نوقف النزيف أولا، وأن ننقذ الشعب من خطر الموت في أسماله، دون أن يجد ما يسد رمقه.
ونقطة الانطلاق في كل إصلاح اجتماعي، هي أولاً توفير القوت والملبس، ثم نطرح القضية على بساط التخطيط.
وقد سبق أن بحثت هذه القضية من الناحية الزراعية بحثا كاملاً متخصصا، غير أننا نود أن نلفت النظر إلى وجه آخر فيها، وذلك من حيث تأثير المناخ والأحوال الجوية، وهي تخص على الأقل ٨٠% من البلاد الإسلامية، مثل