فإنها تصنع للانسان ما يمده في رفع مستواه من مدرسة أو مستشفى، ومن ادارة تسهر على مصلحته الخ ...
ومن هنا تبدأ قضية الاستعمار تهمنا، حيث أنه يفرض على حياة الفرد عاملاً سلبياً نسميه بالمصطلح الرياضي (المعامل) الاستعماري Cœfficient ولذلك المعامل تاريخه في سياسة الاستعمار، فقد كان القائد الفرنسي " بوجو " - وهو في عهد الاحتلال الصورة المقابلة لصورة الأمير عبد القادر- أول فرنسي أدرك حقيقة الشعب الجزائري وما ينطوي عليه من عبقرية فذة إدراكا وضع بمقتضاه الطريقة المناسبة لاستقرار الاستعمار.
وقد وضعها أساسا لتخطيط سياسته الفرنسية، التي كانت في نظره تحتاج إلى معمرين يتكافئون مع قيمة الأهالي الطبيعية. لذلك فإن شهادته بتلك الحقيقة لم تكن تخلو من النظر السياسي، إذ كان يريد اختيار معمرين تساوي قيمتهم قيمة الشعب الجزائري.
ولئن كانت شهادة الجنرال المذكور من قبيل الاعتراف بمزايا الخصم؛ ذلك الاعتراف الذي يحمل في طياته بقية الخلق الفرنسي القديم، فإن تلك الشهادة قد أصبحت اليوم هي الموحية لسياسة التهديم في جوهر الفرد الجزائري ومحو عبقريته، ولقد ظهرت طلائع هذه السياسة غداة الهزيمة التي أصابت فرنسا عام ١٨٧٠ فانتقصت من هيبتها.
وبدلا من أن يدفعها شعورها بالنقص إلى الرفع من قيمة شعبها، فإنها - رغبة منها في إقرار التوازن بين المعمرين والمستعمرين- قد عمدت إلى الانتقاص من قيمة هؤلاء الآخرين، وتحطيم قواهم الكامنة فيهم، فمنذ ذلك الحين بدأ الحط من قيمة الأهالي ينفذ بطرق فنية، كأنه معامل جبري وضع أمام قيمة كل فرد، بقصد التنقيص من قيمته الإيجابية.
ولقد رأينا هذا (المعامل) يؤثر في حياة الفرد في جميع أطوارها، يؤثر فيه