وهو طفل، إذ لا يمده المجتمع بما يقوي جسده وينمي فكره، أو يهيىء له مدرسة أو توجيهاً، هذا إذا كان له أب يحنو عليه.
أما إذا فقد من نشأته الأب فسيكون الأمر أدهى وأمر، ولسوف يؤول صاغرا إلى ماسح أحذية، أو سائل يتخلى عن كل عز وكرامة، بإراقة ماء وجهه.
فإذا ما كتبت له النجاة من كل هذه النكبات، وهيئت له الأسباب لأن يجد مقعدا في مدرسة ... فكم من العراقيل توضع في طريقه! ... ممتحنون بلا إنتصاف، .. وحكام بلا شفقة، ومستخدمون بلا ضمير ... وأخيرا فكم يلاقي ذلك الفتى المسلم في سبيل الحصول على وظيفة حقيرة!
وإذا ما بلغ مبلغ الرجال ماذا يعمل؟ فالشراء، والبيع، والسفر، والكلام، والكتابة، والتلفون، وكل الأعمال التي تقوم عليها حياته الاجتماعية لا تنالها يداه إلا بشق الأنفس، ومن خلال شبكة دقيقة مسمومة من الأحقاد، تسلبه كل وسيلة لإقامة حياته، وتنشر من حوله الأفكار المحطمة لقيمته والمعرقلة لمصالحه. فتحيطه بشبكة محكمة ينسجها خبث المستعمر الداهية.
وبدهي أنه في حاله هذه لا سبيل له لأن يقوم بأعماله إلا بالقدر الذي يقدره الاستعمار له، فهو يعيش كأن يدا خفية، وتارة مرئية، تشتت معالم طريقه، وتقصي باستمرار أمامه العلامة التي تحدد هدفه، فلا يدركه أبدا.
نعم، هناك واقع استعماري، هو ذلك المعامل الاستعماري.
لقد تكلم البعض في شأن هذا المعامل بلسان السياسة، فطالبوا بالحقوق التي هضمها الاستعمار، وأغفلوا الواجبات، وأصبح هذا الكلام من أروع مظاهر المأساة التي يعانيها الجنس البشري في عصرنا.
وتكلم عنه آخرون بلسان الواجبات كغاندي ففاز بحقوقه كاملة، وكأنها نظرة قرآنية غير منتظرة عند ذلك المصلح البرهمي.