للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما هنا فنحن نريد أن نبحثه بحثاً علمياً في بلادنا، ولكي نتبع المقياس الصحيح في درس الاستعمار، يلزمنا أن نراه في أعماق التاريخ، وأن نوسع نطاق البحث فيه، لأنه ليس بالشيء الذي يخص علاقات الجزائر بفرنسا فحسب، ولاكنه يهم بصفة عامة علاقات الحضارة الغربية بالانسانية منذ أربعة قرون.

والاستعمار يعتبر من الوجهة التاريخية نكسة في التاريخ الإنساني، لأننا إِذا بحثنا عنه فسنجد أصوله تعود إلى روما، حيث وضعت المدنية الرومانية طابعها الاستعماري في سجل التاريخ، وقد أعقبهما العهد الاسلامي الذي كان في الواقع تجربة من نوع جديد في تاريخ علاقات الشعوب، فنحن لا نرى الحكم الاسلامي قد استعمر بما في هذه الكلمة من معنى مادي منحط، بل كان فتحه للبلاد كجنوب فرنسا وإسبانيا وأفريقيا الشمالية، لا لاستغلالها، ولكن لضمها للحضارة الإسلامية في الشام أو العراق. وليس لأحد أن ينكر هذه الحقيقة محتجا بأن انعدام التفرقة السياسية إنما يعود إِلى أن شعوبه كانت متوحدة في الدين، فإن الواقع التاريخي يشهد، وأقباط مصر ويهودها يشهدون، بأن الإسلام لم يكن يعم البلاد كدين، بل كحضارة.

وقد وجدنا القسيس (هربرت) يتعلم العلوم الإسلامية ثم يرقى عرش البابوية باسم البابا سلفستر الثاني، فيصبح المحرك الأول للحرب الصليبية الأولى، نعم، ما كان لذلك أن يحدث لولا أن الإسلام قد جاء بعهد جديد في تاريخ العلاقات بين الشعوب.

ومن سوء حظ الإنسانية أن نسيت أوربا أو تناست هذه التجربة اليوم، ولا عجب فإن الواقع كما لاحظه (جوستاف لوبون) هو أن جميع الوسائل قد اتخذت لمحو الحضارة الإسلامية من سجل التاريخ، من أجل ذلك زور الكتاب الغربيون التاريخ، حتى ظهر في عيون من أخذ عنهم أن التاريخ البشري ليس تلك السلسلة التي تتصل فيها جهود الأجيال، وإنما في نظرهم تلك المسافة المختزلة تبتدىء من (الأكروبول) في أثينا وتنتهي عند قصر (شايو) بباريس، أو أكثر

<<  <   >  >>