من ذلك بقليل. ولقد تظهر هذه الخرافة علمية في أعين قوم من أعلام المثقفين في أوربا حتى إِنه لتعلوهم الدهشة إذا ما كشف لهم المتحدث عن وهم هذه المسافة التي رأوا في مبدئها ابتداء للمدنية وفي منتهاها انتهاء لها، ولو أنهم دققوا النظر، لوجدنا هوة كبيرة تفصل حضارة أرسطو وحضارة ديكارت، وأن تلك الهوة من القرون هي الحضارة الإسلامية، وإني لأذكر يوما دهش فيه محدث لي بينت له زيف معلوماته التاريخية وأوضحت له هذه الحقيقة التي كانت همزة الوصل في التاريخ الإنساني بين حضارة باريس وأثينا.
غير أن المدنية الحاضرة تخطت الحضارة الإسلامية (التي تحمل رسالة الإنسانية) لتأخذ من الحضارة الرومانية روحها الاستعمارية، والمعمرون أنفسم يعترفون بذلك من حيث لا يشعرون، إذ نسمعهم صباح مساء يردون أعمالهم إلى عبقرية الرومان، ومن هنا نرى أن الاستعمار قد رجع بالإنسانية في التاريخ ألف عام ما قبل الحضارة الإسلامية ولكن ذلك لا يدفعنا إلى أن نحسبه شرا كله، بل إن خيراً قد حققه الله على يديه من حيث لا يدري، فلئن كان بطشه انتقاما، فإن في طياته رحمة ...
ولنتأمل .. ما الذي بعث العالم الإسلامي من نومه قرناً؟.
من الذي أيقظه من خمسين سنة تقريباً؟
من الذي قال له قم!!!
إنه الاستعمار. نعم إِنه قد خلع علينا بابنا، وزعزع دارنا، وسلب منا أشياء ثمينة.
لقد أخذ من حريتنا وسيادتنا وكرامتنا، وكتبنا المنسية، وجواهر عروشنا، وأرائكها الناعمة، التي كنا نود أن لو بقينا عليها نائمين! ..
ولكن إذا كان هذا هو الواقع الاستعماري فيجب أن نعترف بأنه أيقظ الشعب الذي استسلم لنوم عميق، بعد الغداء الدسم الذي أكله عندما كان يرفل