في نعم حضارته والتاريخ قد عودنا أن كل شعب يستسلم للنوم، فإن الله يبعث عليه سوطا يوقظه. على أن الذي نلاحظه في العبقرية الرومانية إنما هو الروح القيصرية، على حين نلاحظ في الاسلام روح الإنسانية.
وللانسانية أن تختار بين هاتين القيادتين في مستقبلها، الذي لا بد فيه من يقظات أخرى لشعوب نائمة، ومن تداول مستمر لتلك القيادة.
فإما أن يكون مستقبلها نوما تغط فيه إلى الأبد، ولا تستطيع النهوض من مشرق فجر جديد، فتعجز عن تجديد حضارة لا تحمل طابعا خاصا من شعب متكبر، يسوم الإنسانية سوء العذاب، من غير ما ضمير يردع، ولا قانون يمنع. وإما أن تأتي بحضارة تكون للبشر جميعا: تستخدم مواهبهم المتنوعة، وتصور قواهم المتعددة.
وفي هذين الاحتمالين عقدة عصرنا الحاضر، وإن تلك العقدة بيد (الكبار)، فهل هم يريدون حلها لصالح الإنسانية.؟
ومهما يكن من أمر فإن واجبنا نحن (غير الكبار) أن نتحدث في الأشياء التي تخصنا، ومنها ذلك المعامل الاستعماري، الذي يعمل في حياة الفرد ضد مصيره، وضد ضميره.
وإِن الواجب ليقضي على كل (غير كبير) أن يشعر بما تنطوي عليه شخصيته من قيمة جوهرية، هي تراثه الخاص الذي لا سلطان لأحد عليه، فكما أنه ليس للاستعمار أن يتصرف في الزمان والمكان، فكذلك لا يستطيع أن يتحكم في عبقرية الإنسان.
ولئن كان له من السلطان السياسي ما يهدم مجتمع الفرد، ويزيف قيمته الاجتماعية فإن قيمته الجوهرية، التي تشتمل على شروط بسيطة لازمة لاجتياز مرحلة العسرة من حياته، تقصر عنها يد المستعمر، وما دامت القيم الجوهرية الثلاثة: الإنسان والتراب، والزمن (وهي الزاد وقت العسرة) في يد شعب،