للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا أمل في حرية، مهما كانت الأوضاع السياسية، وقد قال أحد المصلحين ((أَخْرِجُوا الْمُسْتَعْمِرَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِكُمْ)).

إن الاستعمار لا يتصرف في طاقتنا الاجتماعية إلا لأنه درس أوضاعنا النفسية دراسة عميقة، وأدرك منها موطن الضعف، فسخرنا لما يريد، كصواريخ موجهة، يصيب بها من يشاء، فنحن لا نتصور إلى أي حد يحتال لكي يجعل منا أبواقاً يتحدث فيها، وأقلاماً يكتب بها، إنه يسخرنا وأقلامنا لأغراضه، يسخرنا له، بعلمه، وجهلنا.

والحق أننا لم ندرس بعدُ الاستعمارَ دراسة علمية، كما درَسَنا هو، حتى أصبح يتصرف في بعض مواقفنا الوطنية، وحتى الدينية، من حيث نشعر أو لا نشعر (١).

إننا أمام قضية خطيرة وجديرة بدراسة خاصة، ولسوف ندرسها يوما ما إن شاء الله (٢).


(١) وهكذا يتوصل الاستعمار إلى الاستفادة من نقائصنا. وبخاصة حين يتحتم على نشاطه أن يختفي لكي يحدث تأثيره الكامل: فعند ظهور الطبعة الفرنسية لهذا الكتاب منذ عشر سنوات، كان يمكن للاستعمار أن يحول بينه وبين الضمير الجزانري بأن يأمر بمنع بنشره، ومنه لم يفعل سوى أن وضع اصبعه على (زرار) خفي؟!.
فخصصت جريدة العلماء (البصائر) مقالين لتقديم الكتاب للشعب الجزائري، قدموه- على أنه خلاصة مقالات نشرت في جريدة Le Monde الباريسية بقلم مراسلها في القاهرة!!!
وقد كانت هذه هي الطريقة المثلى لاثبات عجز تصورات الشعب العقلية الأصلية ومع ذلك فأنا واثق من أن نفس الصحفي قد يستطيع كثيرا في العدد التالي لنفس الجريدة أن يكتب مقالا عن ((تخريب الاستعمار للنشاط الفكري في الجزائر)) وقد قدمت جريدة أخرى وطنية الكتاب من جهتها تحت عنوان (خطوة خاطئة وإبهام) ومن جهة أخرى نشرت صحيفة يسارية بياناً لاتحاد الطلبة، ينبه الشعب إلى خطر هذا الكتاب، فإذا أردنا أن نتذوق طعم هذا البيان، فيجب أن نعرف أن نفس (الاتحاد) كان قد صفق بحرارة منذ أسبوع للمؤلف حين عرض كتابه في محاضرة له وفي كل هذا لم يظهر الاستعمار بعمل يرى.
إني لأورد هذه الذكريات البعيدة لتوضيح هذا الفصل وأيضا لأني أريد ان أذكر العرب والمسلمين
بأن (الزرار) الذي يصنع به الاستعمار معجزاته لا زال على اتم استعداد للعمل. فهو مستقر في نفوسنا.
(٢) نشر جانب من هذه الدراسة فعلا في كتابي ((الصراع الفكري في البلاد المستعمرة)).

<<  <   >  >>