اليهودية في الجزائر قد لقنتنا درسا مفيدا، فقد رأينا كيف أن اليهود أثناء الحرب الماضية كانوا يعيشون ساعات شديدة من الاضطهاد، كانت الدوائر الحكومية تحكمهم بقوانين قاسية، تنغص عليهم حياتهم في كل ميدان.
كان أبناؤهم ينبذون من دور التعليم، وتجاراتهم تعرقل بمختلف القوانين، وكانوا في هذه الحقبة على وشك أن تصيبهم العوامل التقليلية، التي قللت من قيمتنا نحن المسلمين، غير أنه سرعان ما قام اليهود برد الفعل.
فتكونت مدرسة سرية في كل بيت من بيوتهم، يدرس فيها أساتذة متطوعون، فيهم المهندس والطبيب والمحامي، يتطوعون بلا ثمن.
وقد عمروا معابدهم أكثر من ذي قبل، في حين أن أعمالم التجارية قد استرسلت في نشاطها، أحسن وأقوى من الماضي، بفضل تعاضدهم في الضراء على مبدأ (الجميع للفرد والفرد للجميع).
وهكذا أتيح لليهود أن يجتازوا ساعات الخطر ساعين منتصرين رغم ما كانوا يعانون من معوقات خارجية سلطت على حياتهم في كل جزئياتها.
ولقد كان نجاحهم منطقيا، فإن أنفسهم لم تكن معلولة من باطنها، ولم يكن من معوق داخلي يمسكهم عن التقدم، ويحط من قيمة أنفسهم بأنفسهم.
وإننا لنجد في نجاحهم المثل لانتصار الفرد على البيئة، مهما كانت ظروف حياته، وإن لنا في ذلك درسا يعلمنا كيف يتعلم الأطفال بلا مدارس مفتوحة، وكيف تنشط حياة قوم تحت الضغط والمراقبة. وهكذا يؤدي القيام بالواجبات إلى كسب الحقوق.
إن القضية عندنا منوطة أولاً بتخلصنا مما يستغله الاستعمار في أنفسنا من استعداد لخدمته، من حيث نشعر أو لا نشعر، وما دام له سلطة خفية على توجيه الطاقة الاجتماعية عندنا، وتبديدها وتشتيتها على أيدينا، فلا رجاء في استقلال،