ولقد غرس هذا التطور في حياتنا عددا من المتناقضات، في أشياء مضحكة أحيانا، ومبكية أخرى. فأب كريم ينتحر إثر موبقة ارتكبتها ابنته، التي كانت تتعلم، فلم تعرف كيف تتشبه بالفتاة الأوربية المتعلمة.
نعم إن مجتمعنا قد فقد توازنه القديم، وهو لا يزال يتذبذب، ولا يعرف له قرارا حتى اليوم، وإننا لنشاهد عدم الاستقرار هذا في أنفسنا، وفي تصوراتنا للأشياء، حين تختلف باختلاف الناظرين إليها.
فهناك نظرة ذلك الشاب الذي يتغذى بثقافة ضيقة، قانعة بضيقها، فهو يرى أن سعادة البشر قد ابتدأت مع القرن التاسع عشر بانتشار ما يسمى بالأفكار التحررية.
وهناك من يشك في كل شيء، ويرى المدنية معركة اقتصادية وأن تخليص الشعب لن يتأتى إلا بحيلة اقتصادية يحتالها المحتكرون، أو بكارثة مالية في السوق السوداء.
ومنا من ينظر النظرة المملوءة بالحقد، المطلية بالرياء، فهو يرى المدنية في الأعراس الانتخابية، والمظاهرات العمومية، وهو يظن أن خطبة يهتف لها تقلب النظام العالمي.
وهناك نظرة الشاب (السلفي) المملوءة بذكريات الماضي فهو يظن أنه يغير نظام المجتمع بتطهير لغته، وتطبيق النحو والصرف.
وهناك النظرة المخدرة، يرى صاحبها أن المثل الأعلى للمدنية يبرق في قعر كأسه، ويلمع في جو الخمارة.
ومنا من يرى نجاة الشعوب في تحرير النساء، ويظن أنه ملك بيديه المدنية اذا ما فاز بامرأة عصرية.
وهناك المقتنع بحاله، الذي لا يرى شيئاً، ولا يفهم شيئاً، ولا يبحث عن شيء، فهو قانع بدفع ضريبته، من غير أن يتساءل عن موجبها الاجتماعي.