للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وإن في هذه الوجهات المتعددة لدليلاً على درجات متعددة من التكيف مع مجرى الحضارة.

وإلى هذه الوجهات يعود اختلاف الملابس، وتباين الأذواق وتنافر الآراء، وتباعد الأفراد، وأحيانا اصطدام الجهود.

فإننا حتى في علاقاتنا الودية والعائلية نعيش في وسط كأنه متألف من أجناس متعددة، ومتأثر بثقافات مختلفة، إننا قد انزلقنا في المتناقضات بسبب تفكيرنا الذي لم يتناول الموضوع بأكمله، وإنما أجزاء منه.

ولو أننا درسنا الحضارة بالنظرة الشاملة. الخالية من الشهوات المبرأة من الأوهام، لما وجدناها ألواناً متباينة، ولا أشياء متناقضة، ولا مظاهر متباعدة.

ولا شك في أن عقائدنا السياسية تدين لتلك القيم الفاسدة للحضارة، تلك العقائد التي تمثلت عندنا اليوم في أسطورة: (الشيء الوحيد) و (الرجل الوحيد) الذي ينقذنا.

وحيث لم يتيسر لنا عام ١٩٣٦ أن نضع آمالنا في (شيء وحيد) فقد وضعناها في (الرجل الوحيد) الذي بيده سعادة الشعب ورخاؤه.

وما زالت هذه العقيدة الوثنية التي تقدس الأشخاص لا زالت منتشرة في بلاد الإسلام، لم نتخلص منها، وإِن كنا قد فعلنا شيئا فربما كان ذلك في استبدالنا وثناً بوثن، فلعلنا اليوم قد استبدلنا (الرجل الوحيد) (بالشيء الوحيد).

فالتاجر الذي تنجح تجارته يجزم بلا تردد بأن النجاة في الاقتصاد، وآخرون يرون الشيء الوحيد في البيان وتزويق الكلام ...

وهكذا ننتقل من وهم لنتخبط في وهم، ولا ندري كم من السنين سوف نقضيها لندرك عجز (الأشياء الوحيدة) عن حل المشكلة ... التي هي مشكلة الحضارة أولاً وقبل كل شيء.

<<  <   >  >>