ولقد ذهبت بذهابهم تلك الجنة التي وُعِدها المريدون بلا كد ولا عمل، إلا ما يتلمسون من رضا الشيخ ودعواته، وحلت مكانها جنة الله التي وَعدَها المتقين العاملين.
وهكذا أتيح (للإصلاح) أن يمسك مقاليد النهضة الجزائرية، وأمكنه أن يبعثها خلقا آخر بالروح الإسلامية التي تخلصت من كابوس الأوثان، وكأني بالفكرة الإصلاحية قد بلغت أوجها وانتصرت يوم افتتاح المؤتمر الجزائري عام ١٩٣٦، مما جعلنا نتساءل: هل سوف نمضي هكذا حتى النهاية؟
لقد كان ذلك ممكنا، لو لم يشعر العلماء المصلحون- بكل أسف- بمركب النقص إزاء قادة السياسة في ذلك العهد (١)، فمالؤوهم وسايروهم، ظنا منهم أنهم سوف يذودون عنهم نوائب الحكومة، ولقد كان ذلك ممكنا لو لم يكونوا على استعداد للعودة إلى فكرة الزوايا ذات الطابع السياسي، والأصنام المزوقة بأسماء جديدة.
لقد كانوا يستطيعون أن يبلغوا ذلك، لو أن أوراق الحروز التي نبذها الشعب لم ترجع إليه باسم أوراق الانتخابات، ولو أن العقول التي كانت تصدق بالمعجزات الكاذبة، لم تعد مرة أخرى تصدق بمعجزات صناديق الانتخابات، ولو أن الزردة التي كانت تقام في ساحات المشايخ لم تعقبها الزردة التي تقام في الميدان السياسي، والتي أصبحت تقدم فيها الأمة قربانها من حين إلى حين.
لقد كان من واجبنا أن ننتبه فلا نلدغ من حجر مرتين، غير أننا لم نكن في الواقع قد تخلصنا من الأسلوب الخرافي، ذلك الأسلوب الطفولي الذي نتجت عنه قصة ألف ليلة وليلة. تلك القصة الذي استطبنا مذاقها في عصور انحطاطنا، وكان لها تأثيرها في جونا الخلقي والاجتماعي.
ولقد كان حقيقا بنا أن نوصد مرة واحدة في عام ١٩٣٦ باب التيه، فلا ندع أرواحنا تسبح في متاهات لا حد لها. ولو اننا احتطنا لأنفسنا بمثل هذه
(١) ويبدو لنا على ضوء الحوادث الأخيرة، مع كل أسف، أن قيادة جمعية العلماء في الجزائر لا زالت مصابة بهذا النقص الذي يسلبها حق القيام بواجبها أمام الانحرافات السياسية التي تفضل أن تسير معها عوض أن تقومها.