الاحتياطات البسيطة لاستطعنا منذ ذلك التاريخ أن نواجه الواقع. وأن نحل مشكلتنا بأيدينا حلا واقعيا علميا.
فلقد كان على الحركة الاصلاحية أن تبقى متعالية على أوحال السياسة والمعامع الانتخابية، ومعارك الاوثان. ولكن العلماء آنذاك قد وقعوا في الوحل - حيث تلطخت ثيابهم البيضاء، وهبطت معهم الفكرة الاصلاحية فجرت في المجرى الذي تجري فيه (الشامبانيا) في الأعراس الانتخابية، الممزوجة أحيانا بدم تريقه اليد السوداء لاغتيال الاصلاح (١).
ولئن كان هنالك شيء يؤسف له منذ عام ١٩٢٥، فإن أكبر أسفنا على زلة العلماء، التي كانت زلة نزيهة، لما توفر فيها من النية الطاهرة، والقصد البريء.
ومع ذلك فإنه يجب أن لا يغرب عن بالنا أن الحكومة الاستعمارية كانت هي السبب الخارجي لتلك الخطوة المشؤومة التي خطاها العلماء نحو السراب السياسي، وكان ذلك حينما تكونت في فرنسا الجبهة الشعبية التي بذلت الوعود بغير حساب.
ولكن ألم تكن المعجزة الحقة في تحويل الأمة وتقدمها شيئا أغلى من هذا السراب؟
ألم يكن موطن المعجزة هو ما دل عليه القرآن، أي في النفس ذاتها؟
أوَ لم يكن العلماء أنفسم ينهلون من ذلك الينبوع معجزتهم من عام ١٩٢٥ حتى عام ١٩٣٦، إذ كانوا يغيرون ما بنفس الفرد، ذلك التغيير الذي هو الشرط الجوهري لكل تحول اجتماعي رشيد؟
وإذن فلا يجوز لنا أن نغفل الحقائق، فالحكومة مهما كانت ما هي إلا آلة اجتماعية تتغير تبعا للوسط الذي تعيش فيه وتتنوع معه، فإذا كان الوسط نظيفا حرا، فما تستطيع الحكومة أن تواجهه بما ليس فيه، وإذا الوسط كان متسما بالقابلية إلى الاستعمار فلا بد من أن تكون حكومته استعمارية.
(١) يشير المؤلف هنا إلى حادث مقتل المرحوم مفتي العاصمة سنة ١٩٣٦.