ما تقتضيه المرحلة التي فيها أمته، أما أن يستورد حلولا من الشرق أو الغرب، فإن في ذلك تضييعا للجهد، ومضاعفة للداء. إذ كل تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار.
وعلاج أي مشكلة يرتبط بعوامل زمنية نفسية، ناتجة عن فكرة معينة، تورخ من ميلادها عمليات التطور الاجتماعي، في حدود الدورة التي ندرسها.
فالفرق شاسع بين مشاكل ندرسها في إطار الدورة الزمنية الغربية، ومشاكل أخرى تولدت في نطاق الدورة الإسلامية.
فالمشكلة التي أحاول درسها في هذا المؤلف ليست من المشاكل التي تخص عالم ١٩٤٨، بل هي من المشاكل التي تخص عالم ١٣٦٧، وإنني لأخشى أن لا يعجب قولنا هذا بعض من تعودوا النشوة بالكلمات العذبة، أو ألفوا الاقتناع بالحلول المجربة في أمة من الأمم. غير أني أحب أن أعجل إلى الموضوع فلا أضيع الوقت في سرد الأسباب والمبررات، التي يستند اليها أولئك المشعوذون.
إن كل شعب مسلم يعيش في عام ١٣٦٧، أي في نقطة من دورته تنطلق منها الأحداث التي لا تزال في ضمير الغيب، وهي نفسها مادة مستقبلة، فإذا ما تطلعنا إلى الشعب الجزائري في هذة النقطة من التاريخ فإننا نجده والشعوب الإسلامية في مستوى واحد، وفي مشكلات متقاربة، إن لم نقل متحدة؛ وبذلك فإننا نكون قد وضعنا المشكلة في مكانها من التاريخ، ونكون أيضا قد جعلنا مشكلتنا في وضعها المناسب، وفي الطور الذي تستطيع منه أن تبدأ الحضارة دورها.
وعند هذه النقطة من تاريخنا يجدر بنا التساؤل: ها نحن أولاء على أهبة سفر، وإن قافلتنا لتشد رحالها، ولكن إلى أين تسير؟ وبأي زاد سوف تقطع الطريق؟. وإن هذا التساؤل لتحتمه علينا الظروف، فإنه في كل سفر يجب أن نعلم أية جهة نقصد؟ وبأي زاد نتزود؟! ..
وإنه لسؤال جدير بالاهتمام، ولا يكفي فيه أن نجيب إجابات ارتجالية مقتضبة مثل "لا" أو "نعم" بل يجب التأمل في سنن التاريخ التي لا تغيير لها،