للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ثم يأتينا بعد ذلك فيلسوف ألماني آخر، ونعني به "سبنجلر" ( Spengler) ليقودنا إلى نظرية أخرى. تفسر الحضارة باعتبارها ثمرة لعبقرية خاصة تسم عصرا معينا بميسم ابتداع أساسي، كما هو الشأن في "علم الجبر" بالنسبة إِلى الحضارة العربية.

وهكذا نجد في هذه النظرية العامل العنصري يتسرب على يد "سبنجلر" إلى المذاهب التاريخية، وهو العامل الذي سوف يتاح لدوره التاريخي فيما بعد، أن يحقق اكتماله المنهجي في المدرسة الهتلرية على يد روزنبرج.

ثم إن بعد ذلك بقليل. فيما بين الحربين العالميتين، نرى فيلسوفا جرماني الأصل "بلطي" الجنسية، وهو ولتر شوبرت ( Walter Schubart) يقوم بدوره بتكييف طريقة "سبنجلر" - إذا لم أقل مذهبه- مع نظريته التي تفسر الحضارة باعتبار نتاج عبقرية عصر معين وليس باعتبارها نتاج عبقرية جنس معين.

فقد بين "ولتر شوبرت" في كتاب قليل الذيوع بعنوان "أوروبا وروح الشرق" أن لكل عصر عبقريته الخاصة- أو " روحه الكلي " ( éon) - الذي يسم حضارة هذا العصر أو ذاك بسمته الخاصة.

أما المؤرخ الانجليزي الكبير "جون أرنولد توينبي" فقد جاء من ناحيته بتفسير ضخم للحضارة يلعب فيه العامل الجغرافي دورا أساسيا. وقد كان مواطنه "السير جون هالفورد" ( Sir j.Hallford) قد سبقه بنصف قرن من الزمان إلى إدخال العامل الجغرافي بطريقة منهجية في تفسير الحضارة. فكان عنوان نظريته المنصبة بصفة خاصة على غايات سياسية وعسكرية "القاعدة الجغرافية للتاريخ".

غير أن " توينبي" يُدخل هذا العامل الجغرافي ضمن مذهبه المتمثل فيما يدعوه "بالتحدي" ( défi) ، وهو المذهب الذي يفسر الحضارة كـ"رد" معين يقوم به أحد الشعوب أو الأجناس مواجهة لـ"تحد" معين.

<<  <   >  >>