للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إلا مع وجود " سبب " معين، يكون من شأنه أن يشرط الطاقات التي يحركها هذا السبب بغائية معينة.

وضمن هذه العلاقة، تبدو أفكار " توينبي " أدنى إلى الصواب من أفكار ماركس. إذ الواقع أن نظرية " التحدي " تفسر السبب الذي يشرط التاريخ بغائية معينة. ذلك بإثارة هذا التحدي لمجرد غريزة البقاء الكائنة في إحدى المجموعات البشرية. بينما تظل نظرية الحاجة عاجزة عن تفسير الواقعة نفسها بغية اللجوء إِلى نوع من المواربة السياسية وذلك باعتمادها على " وعي طبقي " معين أي بإضفائها صبغة سياسية على المشكلة. " فالتحدي " يستلزم عمليا " تعاضدا " أو " ارتباطا تعاونيا " معينا بين أفراد مجموعة بشرية معينة، اقتضى منها وضعها الرد على هذا التحدي بصورة جماعية متآزرة.

وعلى العكس من ذلك. فحاجة القوت الأساسية تستدعي الغريزة الفردية. وتستلزم " منافسة " أو " مزاحمة " معينة، يتصرف فيها كل فرد لحسابه الخاص مدفوعا بالقوانين السفلية الموروثة عن النظام الحيواني.

وعلاوة على ذلك، فالفكرة الدينية التي تشرط سلوك الفرد- كما سبق أن أوضحنا ذلك- تخلق في قلوب المجتمع بحكم غائية معينة (١). وذلك بمنحها إياها الوعي بهدف معين، تصبح معه الحياة ذات دلالة ومعنى. وهي حينما تمكن لهذا الهدف من جيل إلى جيل ومن طبقة إلى أخرى. فإِنها حينئذ تكون قد مكنت لبقاء المجتمع ودوامه وذلك بتثبتها وضمانها لاستمرار الحضارة.

وإن هذه المشكلات ذاتها التي تتعلق بعلم النفس الفردي والاجتماعي. قد سبق أن وجدت لها الفكرة الإسلامية حلها منذ ثلاثة عشر قرنا من الزمن.

حتى تحرك الانسان السابق على الحضارة والذي بنى الحضارة الإسلامية .... إلى حيث يسوقه الله.


(١) تتجلى هذه "الغائية" في مفهوم "آخرة" وتتحقق تاريخيا في صورة حضارة.

<<  <   >  >>