للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ونستطيع التمثيل لهذه الاعتبارات بصورة مستقاة من "علم الطاقة المائية ". وذلك باتخاذنا كحد للمقارنة " جزئيا " من الماء في وضعين مختلفين: يكون في أولهما "قبل" وصوله إلى خزان ينتج الكهرباء وفي ثانيهما "بعد" خروجه منه. فهذا الجزيء عندما يكون " قبل " الخزان: يعطينا صورة للانسان السابق على الحضارة، أي الذي لم يدخل بعد في دورة حضارة معينة: فهو جزيء منطو على طاقة مذخورة معينة. قابلة لتأدية عمل نافع، إذا ما استعملتها أجهزة الخزان في الري أو في انتاخ الكهرباء.

غير أن هذا الجزيء يصبح قاصرا عن تأدية العمل نفسه، منذ أن يصبح "بعد" الخزان، لأنه يكون قد فقد طاقته المذخورة: وهو ما يعطينا صورة للانسان المنحل حضاريا أو الإنسان الذي خرج من دورة الحضارة. ذلك ان هذا الجزيء الخارج من خزانه، لم يعد في امكانه أن يستعيد حالته إلا بواسطة عملية جوهرية تتمثل في عملية التبخر التي ترجع له إلى حالة بخارية. وفي التيارات الجوية الملائمة التي ترجعه إلى أصله. حيث يتم تحوله من جديد إلى جزيء مائي واقع "قبل" خزان معين.

تلك صورة للانسان قبل دخوله في دورة حضارة من الحضارات، وبعد خروجه منها.

والاعتبارات هذه تبين لنا كيف "تشرط" الفكرة الدينية سلوك الانسان حتى تجعله قابلا لانجاز رسالة "محضرة" غير أن دور الفكرة الدينية لا يكتفي بالوقوف عند هذا الحد. ـ فهي تحل لنا مشكلة نفسية اجتماعية أخرى، ذات أهمية أساسية تتعلق باستمرار الحضارة. فالمجتمع لا يمكنه مجابهة "الصعوبات" (١) التي يواجهه بها التاريخ كمجتمع ما لم يكن على بصيرة جلية من هدف جهوده.

غير أن النشاط الاجتماعي لا يكون مثمرا، فعالا وقابلا للبقاء والاستمرار


(١) راجع محاضر المؤلف عن "الصعوبات كعلامة نمو في المجتمع".

<<  <   >  >>