والنظرية تتكون جزءا فجزءا، بطريقة منطقية، طبقا للتكوين الأساسي لكل حضارة، حيث تتكون من الإنسان والتراب والوقت.
فإذا طبقت هذه النظرية على بلاد العروبة مثلا، فإنها تستوجب تكييفا للانسان الأمي، والتراب البائر، والوقت الضائع.
والمؤلف يبدأ نظريته هذه في ذلك الرمز الذي صدر به الباب الثاني والذي صاغه في كناية بارعة، وجمال أدبي فذ، وإلهام اجتماعي عميق.
وخطوة خطوة يكشف لنا عن العناصر التي تبدو في نظرنا ثانوية لا تستحق التفكير، والتي تنال هنا اهتماما رئيسيا، لأن اتصالها الحقيقي بتطورنا وحياتنا يظهر أمامنا فجأة، ولقد قال فاليري:" كل سياسة تقتضي (وهي عموما تجهل أنها تقتضي) فكرة معينة للإنسان ورأيا عن مصير النوع الإنساني، فكرة غيبية تذهب من المادة البحتة إلى التصوف الشاطح ".
فهل فكر أحد في مشكلة الرجل والتراب والوقت والمرأة والزي والتكيف والثقافة، التي هي جوهر المشكلة الإنسانية كلها؟
وتكوين المؤلف كمهندس قد ساعده دون شك في التصوير الفني للأشياء، ولكن ثقافته المزدوجة تسمح له بأن يصل هذا التصور بالخطة الإنسانية، بنفس الثقة التي تطبع خاتمته المؤثرة. ونضيف هنا أن الأمر لا يتعلق بعمل مفيد للجزائر فحسب، لأن هذه الدراسة تتعدى بعبقريتها حدود الجزائر، لكي تضم مجال العالم الإسلامي كله، حيث أنها تتضمن المشكلة الإنسانية في سائر عناصرها.
ونظريه بن نبي تلقي ضوءا على التجديد الإسلامي الذي يتجلى فيه قطبا النهضة: الروح والفن.
وهو حين يقدم في النطاق العقلي والخلقي مثله الباهر، فإنما يعطي لهذين القطبين منتهى الوضوح.