الهامدة، والتي حركتها بصعوبة (التقاليد البطولية) ثم أعقبتها مرحلة (الفكرة).
ولكن تراثا وثنيا قد تبقى في أعماق الضمير الشعبي الذي شكلته القرون المليئة بخرافات الدراويش.
فإذا كان غول الدراويش قد صرعه الإصلاح، فإن غولا جديدا يمكن أن يظهر أيضا. وهو لا يشترط وجود أولياء أو أحجبة وحروز، ولكن أوثان سياسية، وبطاقات للتصويت.
هذا هو الصراع بين الفكرة والوثن، الذي أصبح طابعا جديدا للمأساة الجزائرية، وبدهي أن الإدارة الاستعمارية لم تكن غافلة وهي تعرف كيف تستغل هذا الوضع لكي يتفرق الشعب الجزائري، وتتبعثر قواه. وأكثر من ذلك فإن المشكلة التي نحن بصددها قد أسيء تكييفها سواء عند دعاة الإصلاح أو رجال السياسة.
إن الاستعمار ليس مجرد عارض، بل هو نتيجة حتمية لانحطاطنا: هذه هي المشكلة، ولا جدوى من فكرة لا تسلم بهذا المسلّم الأساسي الذي يبرزه بن نبي وهو يؤكد أنه " لكيلا نكون مستعمَرين يجب أن نتخلص من القابلية للاستعمار" هذه الجملة البسيطة هي، فيما أعتقد، الإشعاع النوراني الأول، الذي استرسل لينير حلبة الصراع لنا، ولقد أضاءها من قبل نور تلك الآية المذكورة هنا كأساس للنظرية كلها {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
ومع ذلك فإن المؤلف يرى من المفيد أن يقدم أيضا التبرير التاريخي، والنقدي، والعقلي، لهذا الأساس الرباني، الذي قد يفزع العقل الديكارتي.
وهو يعتبر هذا التبرير- الذي يكشف في بعض الصفحات عن أصول فلسفته- من القوانين التي تحكم أطراد الحضارات، وهنا ينبثق حل المشكلة كنتيجة حتمية لهذا الدرس التاريخي.